أَي: هؤلاءِ الذين كذبوا دعوة شعيب إلى توحيد الله والإِصلاح وترك الفساد في الأَرض.
﴿كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا﴾ أَي: كأَنهم بعد إِهلاكهم بالزلزلة الشديدة لم يقيموا أَبدًا بديارهم حيث استُؤْصِلُوا بالرجفة. وكانوا وحدهم الخاسرين في الدنيا بالهلاك الشديد وفي الآخرة بعذاب النار - خسروا وحدهم دون شعيب ومن آمن معه كما كانوا يظنون. اقرأ قولهم فيما سبق: ﴿لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ﴾.
وبمقابلة هذه الآية بما قبلها يتبين أمران:
١ - أن استئصالهم بارتجاف الأَرض حتى كأَنهم لم يقيموا فيها كان في مقابلة تهديدهم لشعيب بقولهم:"لنخرجنك يا شعيب".
٢ - أن ما جاءَ في هذه الآية من خسران الكافرين من قوم شعيب وحدهم، جاءَ في مقابلة قول رؤسائهم لأتباعهم تحذيرًا من اتّباع شعيب:"لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذًا لخاسرون".
وبهذا ظهر أن جزاءهم كان من جنس ما كانوا يقولون، ولكنه يفوقه في الشدة.
أي فأَعرض شعيب وابتعد عن قومه حين رأَى الهلاك الذي نزل بهم وقال معتذرًا عن عدم حزنه عليهم وأَسفه على ما حل بهم، ومتبرئًا من ظلمهم يا قوم والله: لقد اجتهدت في إبلاغكم رسالات الله الذي خلقنى وربانى وبينت لكم ما فيها من سعادة دنياكم وأُخرا كم، وبذلت وسعى في توضيح طريقى الخير والشر فلم تستجيبوا لي - وكان الواجب أن تسمعوا قولى وتقبلوا نصحى. فحقت عليكم كلمة العذاب - بما قدمتم - فكيف أحزن على هلاك قوم بالغوا في الكفر، وأصروا عليه، واستكبروا استكبارًا، لن يكون ذلك مني.