كإصابتهم بالمرض ونقص الأَموال والأنفس والثمرات - إِنذارًا لهم - ﴿لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ﴾: أَي ابتلاهم الله بذلك رجاء أن يلجأُوا إِليه - سبحانه - طالبين كشف البلاءِ ويتذللوا له، ويخلعوا عن أنفسهم أَردية العتو والاستكبار فيؤمنوا باللهِ ربهم ولا يشركوا به أَحدا.
ويجب أَن نلاحظ أَمرين:
١ - أَن إِصابتهم بنحو الفقر والمرض لم تترتب على مجرد الإرسال. بل على تكذيب المرسلين، بعد أَن بذلوا غاية الجهد في إِبلاغ ما أُرسلوا به.
٢ - أن تكذِيب الأُمم للرسل مستتبع لنزول البلاء بهم بسبب عتوهم واستكبارهم.
وكما أنذر الله المكذبين بالفقر والمرض تارة. كذلك ابتلاهم وامتحنهم بالسعة والصحة مكانهما تارة أُخرى. يدل لذلك قوله تعالى:
أَي: ثم أَعطينا أُولئك المكذبين المُصِرِّين على الكفر، مكان ما ساءهم من البأْساء والضراء، أَعطيناهم مكان ذلك السلامة والرخاء. كما قال تعالى:"وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون" واستمر عطاوُّنا لهم حتى كثر مالهم وزاد عددهم فأَبطرتهم النعمة وأَطغتهم الكثرة ولم يشكروها.
﴿وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ﴾: أي وقالوا جحودا للنعمة وكفرانا بالإِحسان بعد البأساء والضراء، وإعراضا عن العظة بنزول البلاءِ ورفعه بالنعماءِ: قد أصاب آباءنا من قبلنا البأْساءُ والنعماءُ ولسنا بدعا منهم فما أَصابنا على نمط ما أَصابهم، وهذا شأْن الدهر يداول السراء والضراء بين الناس فليس ذلك إنذارًا لنا.
أَي: فأَهلكناهم إثر ذلك أشد الإِهلاك وأقطعَه فجأَة، والحال أنهم لا يحسون أَدنى إِحساس بما سيلحقهم، ودون أَن يفكروا في أن شيئًا من المكاره سيحيق بهم، ليكون ذلك حسرة في قلوبهم وعبرة لغيرهم، كما قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً