إِليكم أَباؤُكم من أَنبائها، وما ترونه من آثار تدميرها، وما تسمعونه من أَهل الكتاب عنها ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.
على حين أَن نبينا محمدا ﷺ، أَولى بالتصديق من أهل الذكر، فهو المؤَيد بالمعجزات الباهرات، وهو الصادق الأمين.
﴿وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ﴾: أي وتالله لقد جاء كل أُمة من تلك الأُمم التي خلت، رسولُها الذي بعثه الله إِليها بالمعجزة الخاصة به الواضحة الدلالة على صدقِ رسالته الموجبة للإيمان على ما قضَت به حكمته تعالى:
﴿فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ﴾: أي فما حدث لأُمة من تلك الأُمم الضالة الرجوع عمَّا هم عليه من كفر وضلال إلى هداية الرسل وإرشادهم، بل استمرُّوا على التكذيب وعَدم الإِيمان طول حياتهم ولم تغنهم الآيات والنذر، لكمال عتوهم وشدة طغيانهم، فاستحقوا بذلك ما نزل بهم من العذاب.
﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ﴾: أي مثل هذا الختم الذي أغلقَ الله به قلوب هؤلاءِ السابقين بسبب اختيارهم الكفر على الإِيمان يختم الله على قلوب جميع الكافرين، ويجعل عليها سدًّا يغلقها. فلا يسمعون نصحًا ولا يبصرون حقًا، ولا تلين قلوبهم. إذ تركوا الحق واتبعوا الباطل واختاروا طريق الفساد.
ثم أضاف القرآن إلى ما تقدم شيئًا مِن سوء سلوكهم فقال تعالى:
١٠٢ - ﴿وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ﴾: أي وما علمنا لأَكثر الأُمم إلتى مضت من عهد (١) - أَي رعاية لحرمة - وإن الشأْن معهم أنا وجدنا أَكثرهم فاسقين خارجين عن القيم الخلُقية والدينية، وما آمن وأَصلح منهم إلا قليل.
(١) من جملة معانى العهد رعاية الحرمة، وهذا المعنى هو المناسب لقوله تعالى في ختام الآية: (وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين) راجع المادة في القاموس.