﴿إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ في الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا﴾:
أَي إن إِيمانكم بموسى لم يقع منكم لوضوح حجته وصدق معجزته بل هو حيلة احتلتم بها وخديعة اتخذتموها بالاتفاق مع موسى في مدينة مصر لتخرجوا منها سكانها الأَصليين - القبط - فيزول ملكهم وتدول دولهم ويستقر لكم الأَمر من بعدهم.
وقد قصد الطاغية بهذا الأُسلوب: أَن يلقى في أَسماع عامة القبط بشبهتين:
الأُولى: أَن إِيمان السحرة كان بناءً على اتفاق سابق وتواطُؤ موسى.
الثانية: أَن ذلك كان لإخراج أَهل مصر من ديارهم، وقصده تثبيت أَهل مصر على ما هم عليه من عبادته والخضوع له وإِذكاء نار عداوتهم لموسى وحقدهم عليه إِذ ليس أَشق على النفوس من مفارقة الأَديان، وترك الأَوطان.
وبعد أَن أَلقى بهاتين الشبهتين توعد السحرة الذين آمنوا بموسى ﵇ فقال: ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾:
وقد عَقَّب وعيده المجمل بتفصيله كما حكاه الله تعالى بقوله:
١٢٤ - ﴿لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ﴾: أَي لأَقطعن اليد اليمنى مع الرجل اليسرى أَو بالعكس.
﴿ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ﴾: أَي ثم بعد تقطيع أَيديكم وأَرجلكم على الوجه المتقدم لأَربطنكم بالحبال على جذوع النخل، كما قال تعالى: ﴿وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى﴾ (١).
وغرض هذا الأَثيم من صلب السحرة بعد تقطيع أَطرافهم زيادة التنكيل بهم، وأَن يكونوا عبرة لغيرهم.