كصوته إِذا وضع في مهاب الرياح، بسبب ما وضعه في حلقه من أَداة تحدث هذا الصوت إِذا دخلت الرياح جوفه، وكان السامرى خبيرًا بهذا الفن، وهو الذي صنعه لهم، ودعاهم إِلى عبادته.
والمراد من اتخاذهم العجل إِما صنعه - وقد نسب إِليهم لرضاهم به - وإِما جعلهم إِياه إِلهًا بعد أَن صنعه لهم السامرى.
﴿أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا﴾: أَي ألم يدركوا حين أَقدموا على هذا المنكر أَن هذا العجل لا يتصف بصفة من صفات الأُلوهية ولا بحكم من أَحكامها إِذ كان لا يقدر على كلام ولا يرشد إِلى طريق، فضلا عن أَنه لم يصل إلى أَحط درجات الحيوان، فكيف يكون إلهًا شأنه أَن يخلق ويبدع ويحيى ويميت؟ ويتكلم ويهدى إِلى سبيل الرشاد.
﴿اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ﴾ أَي فعلوا ذلك المنكر الشنيع وكان شأْنهم الظلم، والاستمرار عليه دائما - ووضع الأشياءِ في غير موضعها الصحيح، فلم يكن اتخاذهم العجل إِلها بدعا وما كان أَول منكر فعلوه.
وكان هذا الاستفهام لتقريعهم على فرط جهالتهم وحماقتهم وسفاهة أَحلامهم وقد كرر القرآن ذمَّهم بذكر "اتخذوه" أَي العجل همزة ثانية للتنبيه على عظم جرمهم والتمهيد لوصفهم بالظلم.
أَي: ولما ندموا أَشد الندم على ما فعلوا من عبادة العجل ومخالفتهم تعاليم موسى وإِرشاد خليفته هارون، واستضعافهم إياه وهمهم بقتله، وعلموا أَنهم بفعل هذه المنكرات قد تنكبوا الصواب وجاوزوا طريق الهدى ﴿قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾: أَي قالوا مقسمين والله لئن لم يغمرنا إِحسان ربنا ويتقبل توبتنا رحمة بنا، فيكفر عنا سيآتنا ويتجاوز عن خطيآتنا لنكونن من جملة الذين خسروا حسن العمل في دنياهم، وخير الجزاءِ في أُخراهم فكانوا في جهنم خالدين.
وفسِّر - سُقِطَ في أَيدِيهم - بما تقدم على طريق الكناية، لأَن النادم المتحسر يعض يده غمًّا وحزنًا فتصير يده مسقوطًا فيها. كما تقدم في المفردات.