﴿وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ﴾:
أَي: وأَمسك موسى بشعر رأْس أَخيه هارون يجذبه إِليه منه، لظنه أَنه أَهمل في توعية قومه وإِرشادهم وإِصلاح حالهم، ونهيهم عن الإِشراك باللهِ.
﴿قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي﴾:
أَي قال هارون يدفع تهمة التقصير في نصحهم عن نفسه يا ابن أُمى: إِننى بذلت قصارى جهدى في ترشيدهم وتوضيح سوء العاقبة لما فعلوا، حتى قهرونى، واستضعفونى وهموا بقتلى واقتربوا منه.
﴿فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ﴾:
أْى: فلا تفعل بي أَمام هؤُلاء الأعداء ما يكون سببا لشماتتهم بى وفرحهم فيما يصيبنى من إِيذاءٍ وتعنيف.
والشماتة فرح العدو فيما يصيب عدوه من مكروه.
﴿وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾:
أَي ولا تنظمنى بغضبك علىَّ في سلك الذين ارتكبوا أَقبح الظلم بعبادة العجل، ونقض العهد والفساد في الأَرض، ولا تجعلنى في عدادهم مع براءَتى من جرائمهم، وفيا بما استخلفتنى فيه.
وكان هارون لين الجانب كثير التحمل، ولذا نراه يخاطب موسى مما يرقق قلبه، وهو قوله له (يا ابن أُمَّ) إِلخ إذ الأُم عنوان الحنان وموطن العطف والرحمة، كما يشعر بلين عريكته ما في باقى أُسلوبه من توسل ورجاءٍ.
وبعد أَن سمع موسى ﵇ مقالة هارون ﵇ قال ما حكاه القرآن الكريم في قوله تعالى:
١٥١ - ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي﴾:
أَي قال موسى مناديًا ربه يطلب منه غفران فعله بأَخيه من غير جريرة ارتكبها، وغفران ما عساه أَن يكون قد وقع مع أَخيه من تقصير في نصحهم وتحذيرهم.
ولا يخفى: أَن كل إِنسان في حاجة إِلى استغفار ربه، طاعة له وطلبًا لرفع الدرجات، مع ما في استغفار موسى لنفسه من الترضية لهارون وإِعلان الشامتين بتمام رضاه عما فعله حتى ترد شماتتهم إِليهم كمدًا وحسرة.