من خالقهم ومربيهم الذي تفضل عليهم بأَجزل النعم فجحدوها ولم يشكروها، وسينزل بهم في الحياة الدنيا الذل الشديد والهوان المميت بتشريدهم من ديارهم وإجلائهم عن أَوطانهم.
﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ﴾:
أَي: ومثل هذا العقاب الشديد الذي حل ببنى إِسرائيل نعاقب كل مفتر كذاب، وليست هناك فرية أَقبح مما افتراه هؤلاءِ الذين صنعوا العجل بأَيديهم ثم عبدوه وقالوا: هذا إِلهكم وإله موسى، بل لم يعرف أَن أَحدًا افترى مثل فريتهم. ولذا استوجبوا بالأَصالة هذا العقاب الأَليم.
وبعد أَن بين القرآن عقاب المصرين على الجرائم، وافتراءِ الكذب على الله، رغَّب في التوبة من السيئات وإِن كثرت وعظمت، ببيان أَن الله يغفر الذنوب جميعًا لمن أَخلص في التوبة وصدق في الإِيمان باللهِ فقال تعالى:
أَي والذين اقترفوا الكفر وسائر أَنواع المعاصي من الكبائر والصغائر ثم تابوا من بعدها وآمنوا باللهِ، إِيمانًا صادقًا يستتبع ما يقتضيه من أَعمال البر والطاعات، وإِقلاع عن المعاصي، يغفر الله لهم ما وقع من ذنوبهم مهما عظمت، لأَن ربك المنعم عليك بالخلق والتربية من بعد حصول تلك التوبة الخالصة لَعَظِيمُ المغفرة لذنوب التائبين واسعُ الرحمة بالخلق أَجمعين قال تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ فتتسع من صدق في إِيمانه بعد الكفر، وأَخلص في الإِقلاع عن سائر المعاصي والآثام.
ولما بين القرآن الكريم طرفًا من قصة موسى مع قومه، شرع يكملها فقال:
أَي ولما ذهب عن موسى الغضب وسكن وهدأَ روعه بعد اعتذار أَخيه وتوبة من تاب، وبيان أَنه قام بموجبات الخلافة عنه، ولكن القوم كانوا لنصحه كارهين، لما حدث هذا أَخذ ألواح التوراة التي أَلقاها.