أَي: فلما فاجأَتهم الزلزلة الشديدة ورجفوا وارتعدوا حتى كادت تنخلع مفاصلهم وتتمزق أَبدانهم وأَشرفوا على الهلاك وكان ذلك تأْديبا لهم على تقصيرهم في زجر قومهم عن عبادة العجل وسائر المنكرات، - لمَّا حدث ذلك - خشى موسى هلاكهم فتوسل إِلى الله - تعالى - فيما حكاه القرآن في قوله تعالى:
أَي قال موسى راجيًا عفو ربه عنهم في هذا اليوم: يا رب إِنك لو شئت إِهلاكهم من قبل هذا اليوم، حين قصروا في النهي عن عبادة العجل، وعدم مفارقتهم لعبدته حين أَيقنوا فيهم الإِصرار على الكفر والمعاصي، وكذلك لو شئت يا رب إِهلاكى من قبل ذلك حين طلبت رؤيتك، لفعلت يا إِلهى ذلك فقد استوجبنا الهلاك جميعًا بذنوبنا، ولكنك لم تفعل رحمة بنا، وتجاوزًا عما فرط من سيآتنا، فلا عجيب يا رب إِذا أَطْمَعنَا لطفُك السابق في طلب المزيد من عفوك وإِحسانك في هذا الموقف، ثم أَكد موسى ﵇ عظم ثقته في عفو الله فيما حكاه القرآن.
﴿أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا﴾:
أَي قال موسى ﵇ إِيمانًا بسعة رحمة الله تعالى - وإِيقانا بشمول إِحسانه: لا يكون منك يا عظيم العفو إِهلاكٌ لنا بسبب ما فعله الذين يجهلون قدرتك وما يليق بمقام أُلوهيتك، ولا يثبتون على الحق الذي أَظهرت معالمه وأَوضحت مسالكه فقد وسعت رحمتك كل شيء.
أَي ما كانت عبادتهم للعجل إِلا ابتلاءً منك تهلك بسببه من تشاء إِضلاله بتجاوزه حدود أَوامرك ونواهيك، وترشد به إِلى الحق من تشاءُ هداه فيقوى إِيمانه.
﴿أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ﴾: أَي أَنت وحدك يا الله القائم بتدبير أُمور دنيانا وأُخرانا، وناصرنا وحافظنا دون سواك، فاغفر لنا ما اقترفناه من الذنوب والآثام وتجاوز عنه إِذ من شأْن الولى الإِحسان إِلى المقصرين، والتجاوز عن ذنوب الآثمين ﴿وَارْحَمْنَا﴾: أَي وأَفض علينا من آثار رحمتك التي وسعت كل شيءٍ