أَي فبدل الذين ظلموا من هؤُلاء - وكلهم كانوا ظالمين (١) - قولًا غير الذي قيل لهم، فقد أُمروا بالتوبة والاستغفار بأَن يقولوا حطة لذنوبنا وغفران لها، فوضعوا مكان ذلك قولًا آخر لا خير فيه تكبرًا وعتوا، ولم يذكروا فضل الله عليهم في الانتصارات ونعمته عليهم بالإِسكان في تلك القرية بعد التشريد في التيه أَربعين عامًا وهكذا يفعل عتاة الجيوش المنتصرة، يتكبرون في الأَرض، ويستَعْلون على الناس وينسبون الانتصار لأَنفسهم، وينسون فضل الله - تعالى - عليهم.
ومن المفسرين من ذكروا أَنهم قالوا بدل (حطة) حنطة بزيادة النون، استخفافًا باللهِ واستهزاءً بموسى - لعنهم الله - ولكنا لم نجد نصًا في ذلك يمكن الاعتماد عليه، سوى قوله - تعالى - عقب ذلك: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ﴾ فَهُو يفيد أَن التبديل كان بِقَوْلٍ ظالم شديد الظلم بحيث استحقوا بسببه أَن ينزل الله عليهم عقبه (رِجْزًا) أَي عذَابا ﴿مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ﴾ أَما حقيقة العبارات التي قالوها وظلموا بها ظلمًا فظيعًا، فلم يرد بها نص، فلهذا لم نشأْ أَن نتحمل عهدته ونقدمه للقارئ تفسيرًا لما قالوه.
ولا تنافى بين قوله هنا: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ﴾، وَقوله في البقرة: ﴿فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ فإِن ظلمهم يستلزم فسقهم، فهم ظالمون فاسقون فكلا الوصفين فيهم.