أَي فصفة وحال هذا العالم في الخسة والدناءَة كصفة وحال أَخس الحيوانات في أَخس أَحواله، وهي اللهث دائمًا في حالتى الراحة والتعب، كما قال سبحانه: ﴿إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ﴾: أَي إِن تطارده بالضرب والإِهانة يخرج لسانه من آثار الإِرهاق والمطاردة وإِن تتركه دون مطاردة وإِيذاء يخرج لسانه كذلك، فشأَنه واحد في الحالين، كذلك شأن ذلك العالم الذي آتاه الله علم آياته ولم يعمل بعلمه، فإِنه لم ينتفع بما علمه سواء أَوَعَظْتَهُ أَم تركته فهو في الحالين باق في ظلمات الجهل، والمراد من التشبيه ذم هذا الذي آتاه الله الآيات البينات، فترك العمل بها.
﴿ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾: أَي ذلك المثل الذي تقدم هو صفة وحال كل الذين كذبوا بآياتنا التي أَوضحت لهم سبل الهداية والرشاد فلحقهم الذم لهذا الوصف القبيح ﴿فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾: أَي فاذكر يا محمَّد لقومك المخالفين لك والمكذبين لرسالتك قصص المكذبين السابقين عن عناد واستكبار رجاءَ أَن يتدبروا أَمرهم ويعتبروا بما في القصص من عبر ومواعظ ﴿لَقَدْ كَانَ في قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ (١) ثم ختم الله هذه الآيات بقوله:
١٧٧ - ﴿سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا … ﴾ الآية: أَي قَبُح مثلا حالُ المكذبين لآياتنا التاركين لها عنادا واستكبارا مع وضوحها، وقد ظلموا أَنفسهم دون غيرهم حيث عرضوها للعذاب والعقاب بسبب ما اختاروا من التكذيب والعصيان. والمراد من هذه الآية المبالغة في ذم هؤُلاءِ الذين جمعوا بين التكذيب بالآيات وظلم أَنفسهم بالمعاصى.