وليس لهم من هذا السؤال هدف صحيح، وإنما قصدوا التهكم والإِنكار أَو امتحان محمَّد ﷺ في صدق رسالته كما تقدم وفي ذلك يقول الله تعالى حكاية عنهم: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ (١)، وقد أَمر الله نبيه ﷺ أَن يجيب السائلين بقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللهِ﴾: أَي قل لهم يا محمَّد: لا يعلم وقت مجيئها واستقرارها إِلا الله وحده لا يتعداه إِلى أَحد من خلقه، حتى الأَنبياء والمرسلين والملائكة المقربين، ﴿لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ﴾: أَي لا يظهرها ولا يأتى بها في وقتها غير الله تعالى وحده، وفي هذا القول تأكيد بليغ وزيادة تقرير لما سبق من اختصاص علم الله تعالى بذلك ﴿ثَقُلَتْ في السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾: أَي عظم أَمرها واشتد وقعِها على أَهل السموات والأَرض بعد أَن أَعلمهم الله تعالى بما سيكون فيها من الشدائد والأَهوال كما قال تعالى: ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (٢) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (٣)﴾ وقوله: ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (١) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (٢)﴾، ﴿لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً﴾: أَي لا تأْتيكم إلا فجأَة وعلى حين غفلة، وحينئذ تشعرون بثقلها لهول المفاجأَة بها، وبشدائدها وعقابها وفي هذا تقرير لنفى العلم بوقتها عمّن سوى الله تعالى واختصاصه سبحانه، به وحده. ﴿يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا﴾: أَي يسأَلك الناس يا محمَّد عن وقت وقوع الساعة، مقدرين أَن علمك بها كعلم من أَحاط بالشيء وأَدركه على حقيقته، وهم مخطئون، في تقدير إحاطتك بوقت وقوعها، يوضح ذلك أَمره تعالى لنبيه بإعادة ما سبق أَن ردّ به عليهم حيث قال: ﴿قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللهِ﴾: لا يعلم وقت مجئ الساعة إلا الله وحده دون سواه، وفي هذا تأْكيد وتعميق للمعنى المستفاد من الرد الأَول مع ما يفيده ذكر لفظ الجلالة من هيبة ورهبة في مقابلة جهلهم وتعنتهم في طلب أُمور لا يعلمها إلا الله وحده. وفي ختم الآية بقوله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ إِشعار بأَن منشأَ السؤال هو جهل أَكثرهم وأَنهم لا يعلمون اختصاص الله بالعلم بها كما تقرر فيما سبق ولا يعلمون حكمة هذا الاختصاص، وكلمة ﴿أَكْثَرَ﴾، تدل على أن القليل من الناس يعلمون تلك الحكمة بإِرشاد من النبي ﷺ.