فأَنت ترى أنه لما أَراد الله تعالى بقاءَ العمران في الدنيا وشاءَ له أَن يكون منظمًا ومستقرًّا جعل السكن بين الزوجين، حتى لا يملاَّ من الاختلاط، فينصرف كل منهما عن الآخر فينقطع النسل، ﴿فَلَمَّا تَغَشَّاهَا﴾: أَي فلما غَشى الزوج منكم زوجته ﴿حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا﴾: أَي حملت حملا خفيفا في بادئ الأَمر، لا يمنعها من القيام والقعود وقضاءِ المصالح، فإن كونه نطفة ثم علقة ثم مضغة أَخف مما يكون في المراتب التي بعد ذلك.
﴿فَمَرَّتْ بِهِ﴾: أَي فمضت به، وترددت في قضاء المصالح من غير مشقة ولا عناء ﴿فَلَمَّا أَثْقَلَتْ﴾: أَي فلما صارت ذات ثقل، وقرب وقت وضع حملها، وأَشفقا أَن يكون غير سوى، واهتمت هي وآدم بهذا الأَمر الذي لم يعهداه من قبل، تضرعا إِلى الله ربهما كما قال تعالى: ﴿دَعَوَا اللهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾: أَي تضرعا إلى الله ربهما المتولى وحده شئونهما بالتربية والرعاية، القادر دون سواه على تحقيق رجائهما وإِجابة دعائهما أَن يعطيهما ولدا صالحا، إِذ قالا مقسمين: والله لئن أَعطيتنا ورزقتنا ولدا صالحا سويا مستقيم الخلقة لنكونن من المخلصين لك في الشكر على نعمائك التي لا تحصى، ومن أَعظمها تلك النعمة الجليلة، نعمة الولد الصالح السوى.
أَي فلما استجاب الله تعالى دعاءَ الزوجين من ذرية آدم وحواء، وأَعطاهما ولدا صالحا، أَي كامل التكوين والخلقة ﴿جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا﴾: أَي جعل الزوجان من ذرية آدم وحواءَ لله تعالى شركاءَ في الولد الصالح في تكوينه، حيث نسباه لبركة أوثانهم مع الله تعالى فالاشتراك وقع من ذرية آدم وحواء.
ويجوز أن يكون التأْويل في قوله: ﴿جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ﴾ بتقدير مضاف محذوف أَي جعل أَولادهما لله شركاءَ، وجعل الكلام على حذف مضاف كثير ومعهود. ومنه قوله تعالى: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾: أَي واسأَل أَهل القرية - وبهذا التفسير أو ذاك يندفع ما عساه يفهم من ظاهر الآية الكريمة من أَن آدم وحواءَ هما اللذان جعلا لله شركاءَ فيما آتاهما، وذلك يتنافى مع مقام خليفة الله في الأَرض الذي يقتضي التوحيد والشكر على إِنعام الله باستجابة دعائه وزوجه.