يريدون بذلك أن يتحكموا في وحي الله وفضله، ﴿اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ﴾ (١)
وصيغة الدعوة في قوله تعالى: ﴿آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللهُ﴾ تحتوى على حكمة في التعبير، إذ لم يقل بما أنزل الله على محمَّد. فإنها تؤذن بوجوب الإيمان بما أنزل الله تعالى، من حيث إنه هوالذي أنزله، فليس لهم، أن يقترحوا الرسول المنزل عليه، ويختاروه بأنفسهم، فالأمر ليس لهم، ولكنهم -للجاجتهم في التعصب- يكفرون بغير ما عندهم، ولا يؤمنون إلابما يجيءُ عن طريقهم.
﴿وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ﴾، أي: ويكفرون بما عداه، مع أن ما دُعوا إليه هو احق الثابت المويد بالآيات والبراهين، حال كونه مصدقا لما عندهم، ومن كفر بما صدق كتاب فقد كفر بكتابه الذي يدعى الإيمان به.
وقد أفحمهم الله بالحجة التي تدحض قولهما بقوله لرسوله محمَّد-ﷺ: ﴿قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ أي قل لهم مبكتا مفحما: إن كنتم مؤمنين بما أنزل الله عليكم كما تزعمون، فَلمَ قتلتم أَنبياءَ الله الذين جاءُوا بما أُنزل عليكم؟. وإنما قال ﴿فَلِمَ تَقْتُلُونَ﴾ بدلا من "فلم قتلتم". استحضارا لصورة هذا الجرم الفظيع مبالغة في التقريع والتشنيع.
والخطاب للموجودين في زمن النبي ﷺ بما فعل آباؤُهم، لرضاهم به، فإن من رضي بالمعصية، فكأَنه فاعل لها. وان كان غائبا عنها.
وقد يقال إن هذا من باب قولك كل جازا لأهل قبيلة: أَنتم قتلتم فلانا إذا كان القاتل آباءهم. والمراد: أن الأمر فيكم من قديم على الكفر بكتابكم، لا على الإيمان به، فدعواكم التمسك بكتابكم، منقوضة: خلفا عن سلف.