أَي واذكر يا محمَّد للمؤمنين نعمة أُخرى أَنعم الله بها عليهم، حين يوحى ربك إِلى الملائكة أَنى معكم في تثبيتكم للمؤمنين، فثبِّتوا الذين آمنوا لينتصروا على أَعدائهم.
واختلفوا في كيفية تثبيت الملائكة للمؤمنين في غزوة بدر الكبرى، فقال جماعة: إِنهم ثبَّتوهم بالبشارة وتكثير عددهم، ونحوهما، مما تقوى به قلوبهم، وتشتد عزائمهم في القتال، فإِن الآية لم تصرح بأُسلوب التثبيت حتى يحمل عليه فيها، ولم يكن تثبيتهم بالقتال معهم، لأَن الملك الواحد كفيل بإِهلاك قريش لو كان يقاتل المشركين مع المؤْمنين، فحيث كان المثبتون من الملائكة أَلفا أَو أَكثر، فلا بد أَن تثبيتهم معنوى لا قتالى، ولذا - قال تعالى -، عقب الأَمر بالتثبيت: ﴿سَأُلْقِي في قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ﴾ وقد روى أن الملك كان يتشبه بالرجل الذي يعرفونه، فيقول: أَبشروا فإِن الله ناصركم. وقال آخرون: أُمروا بمحاربة المشركين، وجعلوا قوله تعالى: ﴿فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾ تفسيرًا لقوله سبحانه: ﴿فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ روى أَنهم كانوا يرَوْن رءُوسا تسقط عن الأَعناق من غير ضارب، وروى عن سهل بن حنيف ﵁ قال: لقد رأَيتُنا يوم بدر، وإن أَحدنا ليشير بسيفه إِلى المشرك، فتقع رأْسه عن جسده قبل أَن يصل إِليه السيف.
والمتأَمل في هذه الروايات يجدها بلا أَسانيد صحيحة، فلا يمكن التعويل عليها، فالراجح أَن الملائكة لم يقاتلوا، بل كانوا يثبتون المؤمنين بالقول ويكثرون عددهم أَمام العدو، ليُصابُوا بالرعب منهم.
وعلى هذا يكون قوله تعالى: ﴿فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾ خطابا للمؤمنين، فكأَنه - تعالى - يقول لهم: سأُلقى في قلوب الذين كفروا الفزع والخوف منكم، لتتمكنوا من إِصابتهم، فاضربوهم فوق الأَعناق، واضربوا منهم كل بنان،