وهذا المعنى غير مُتَصَوَّرٍ في حق الله تعالى، فإِنه - سبحانه - ليس جسما متوسطا بين المرءِ وقلبه، يحول بينهما ويفصل اتصالهما، ولهذا يجب تأْويل قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ بما يتفق مع القواعد الشرعية، وقد ذهب المفسرون في تأْويلها مذاهب نختار منها ما يلى:
يرى الحسن وقتادة: أَن هذه مجاز عن شدة قربه - تعالى - من عبده بعلمه فهى، مثل قوله تعالى: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ وفي هذا المعنى تنبيه إِلى أَنه - تعالى - مطلع على مكنونات القلوب، حتى ما يغفل عنه أَصحابها، وأَنه ينبغي أن يبادر العباد إلى تصفيتها من علائق الشيطان، حتى تكون مخلصة لوجه الله الكريم، فكأَنه - سبحانه - بعد أَن أَمرهم في صدر الآية بالاستجابة لله ورسوله، أشار لهم هنا إِلى وجوب الإخلاص في الاستجابة، لأَنه تعالى قريب من قلوبهم بعلمه، يعلم إِخلاصها ونظافتها، ويعلم ضد ذلك، فيجزى كلاًّ منهم حسب حالهم.
والمعنى على هذا: واعلموا أَيها المؤمنون أَن الله - تعالى - قريب من قلب عبده، يعلم إِخلاصه ونفاقه في الاستجابة لله ولرسوله، واعلموا أَنكم إِليه يوم القيامة تحشرون لا إِلى غيره، فيجزيكم حسب مراتب أَعمالكم التي أَحاط بها علمه.
ويجوز أَن يكون المراد من الآية الحث على المبادرة إِلى الاستجابة لله ورسوله، بالعمل الصالح والنية الطيبة قبل أَن يدرك الإِنسان الموت، فيندم على التقصير.
وكأَنه قيل: واعلموا أَن الله يحول بين المرءِ وقلبه بمنع إِمداده له بالدم الذي هو مادة الحياة، إِذ يقبض روحه، ويبطل نبضه ويمنعه بذلك من التصرف، فتفوته الفرصة التي هو واجدها، وهي التمكن من العمل الصالح، وإِخلاص النية، فليبادر المرءُ إِلى الاستجابة لله ورسوله، قبل فوات الفرصة، واعلموا أَنكم إِليه تحشرون للحساب والجزاءِ.
ويمكن أَيضا أَن يكون المعنى: واعلموا أن الله يحول بين المرءِ وقلبه إِن لم يستجب لله ورسوله، وذلك بأَن يطمس على قلبه فلا يهتدى إِلى رشاد، واعلموا أَنكم إِليه تحشرون، فلا يجد المسئ ما ينقذه من عقابه.