فتنة في الأَرض وفساد كبير، لظهور الشرك وغلبَته، لأَن المسلمين ما لم يصيروا يدا واحدة على أَعدائهم، طمع فيهم أولئك الأَعداء واستولوا على ديارهم، كما حدث في الحقبة التي غفل فيها المسلمون عن موالاة بعضهم لبعض، واتخذوا أَعداءَهم أولياءَ لهم.
المعنى: والذين آمنوا بالله ورسوله وهاجروا من وطنهم وجاهدوا أعداء الإِسلام في سبيل طاعة الله ونصرة دينه، والذين آووا رسول الله والمهاجرين وأنزلوهم في ديارهم.
ونصروهم على من أَخرجوهم من وطنهم، أُولئك هم المؤمنون المستكملون لعناصر الإِيمان حقا لأَنهم حققوا من إِيمانهم مقتضاه، من هجرة الوطن ومفارقة الأَهل، والانسلاخ عن الأَموال لأَجل الدين، كما حقق الأَنصار نصرة النبي وإِيواءَه والمهاجرين في بيوتهم.
وقد ختمت الآية الكريمة بقوله تعالى: ﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ وعدا سخيًّا من الله لهم على ما تقدم من صفاتهم، والمراد من الرزق الكريم، الثواب الجزيل الذي ينعمون به في رياض الجنة، أَكلا وتفكها من غير منة ولا تبعة ولا مسئولية، ويلاحظ أَن هذه الآية ليست متكررة مع ما قبلها، فإِن هذه للثناء عليهم والشهادة بفضائلهم، مقترنة بالوعد الكريم بالمغفرة والرزق الكريم، أَما تلك فهي للأَمر بالتواصل والتوارث والنصرة بينهم.
أَي: والذين آمنوا وهاجروا من بعد هجرة الرسول إِلى المدينة، كالذين هاجروا بعد بيعة الرضوان في الحديبية، ثم جاهدوا معكم فهؤلاءِ من جملتكم أيها المهاجرون، فلهم مثلكم حق النصر والموالاة، وقد رفع عنهم إِثم التأَخر في الهجرة.
وبقى وجوب الهجرة على المسلمين حتى فتحت مكة، قال ﷺ:"لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية" وهذا عندما يكون المسلم آمنا على عقيدته، فإِن خاف الفتنة وجبت عليه الهجرة إِلى مكان يأمن فيه على نفسه وأَهله ودينه وماله.