البيت بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إِلا كل نفس مؤمنة، وأَن يُتَمَّ إِلى كل ذى عهد عَهْدُه.
والمقصود من براءَة الله ورسوله ﷺ من المشركين الناكثين لِعهودهم، هو مقابلتهم بمثل ما فعلوا، وذلك بقطع عهودهم بعد مهلة أَربعة أَشهر، يتدبرون فيها أَمرهم، حتى لا يؤخذوا على غِرَّة، ولكى يكون لديهم وقت كاف في التدبر في قبول الإِسلام - وترك الشرك.
أَي فإِن رجعتم خلال هذه المهلة عمَّا أَنتم فيه من الشرك وسائر المعاصي، فرجوعكم هذا أَنفع لكم في دنياكم وأُخراكم، وإِن أَعرضتم عن الإِيمان، وآثرتم البقاءَ على ما أَنتم عليه من الشرك وآثامه، فاعلموا أَنكم لا تعجزون الله عن الانتقام منكم، فهو قادر عليكم وقاهر لكم.
﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾:
أَي وأنذر يا محمَّد أُولئك الذين كفروا بالإِسلام وعادَوْه ووقفوا له بالمرصاد، أَنذرهم بعذاب شديد الإِيلام في الدنيا بالقتل والخزى والنكال، وفي الآخرة بالمقامع والأَغلال.
والتعبير بالتبشير عن الإِنذار، لغرض التهكم والسخرية بمن يتولى عن الإِيمان بالرسول ﷺ مع وضوح الحق في جانبه.
كما أَن العدول عن خطابهم بالوعيد، إِلى تكليف الرسول ﷺ بتبليغه إياهم، يشعر أُولئك المنذَرِين بأَن الوعيد أَمر تقرر نزوله بهم ولا بد منه، إِلى جانب إِيلامهم بالإِعراض عنهم.
أَمر الله ﷾ في الآيات السابقة أَن ينبذ المسلمون عهود المشركين، وجاءَت هذه الآية، لتبين أَن هذا النبذ ليس عامًّا لهم جميعًا، بل هو خاص بأُولئك الذين تلاعبوا بعهودهم، وظاهروا على المسلمين.