زعموا، فتعجبوا من ذلك وقالوا: ما ذاك إِلا أَنه ابن الله، والدليل على أَن هذا القول كان فيهم؛ أَن الآية قرئت عليهم فلم يكذبوا مع تهالكهم على التكذيب، فإِن كانوا ينكرون ذلك اليوم ويدعون أَنهم أَهل التوحيد، فذلك رجوع منهم عما كانوا يقولونه من قبل.
والمحققون من المؤرخين يقولون إِن عزيرا (عزرا) جمع محفوظات من صدور القوم ومن أَوراق متناثرة، وسماها التوراة، ولا يوجد دليل على أَنها طبق الأَصل، فإِن الأَصل مفقود، كما أَن فيها وصف الله بما لا يليق به كالندم والضعف أَمام إِسرائيل وغير ذلك مما يقطع بوضعها.
وسبب قول النصارى ذلك، ادعاؤهم أَن عيسى ﵇ ما كان يستطيع إِبراءَ الأَكمه والأَبرص وإِحياءَ الموتى إِلا لأَنه ابن الله، لأَن ذلك من خصائص الأُلوهية، ولهذا ملأُوا كتبهم المقدسة لديهم بدعوى البنوة، وقد شاءَ الله أَن يكذبهم ويكشف جهلهم وزيفهم بما تضمنته أَناجيلهم من التصريح بأَنه ابن الإِنسان، وتكرار هذا التصريح عشرات المرات في كل إِنجيل من أَناجيلهم.
﴿ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾:
يريد الله بهذه الجملة الإِشعار بأَنه قول مجرد عن البرهان وخال عن الدليل، فإِن مجئ عزير بالتوراة - على فرض صحته - لا يقتضي بنوته لله، فلم لا يكون بإِلهام أَو بوحى، وقد علمت أَنه لم يصح، وإِحياء عيسى للميت وإِبراؤه الأَكمه والأَبرص، معجزة لتأْييد نبوته - كشأْن معجزات الأَنبياء، فكلها بفعل الله وخلقه، وليس جريانها على يديه بفعله لأَنه ابن الله، كما ادعى النصارى ولذا كانت حوادثها محدودة على قدر قيام المعجزة المؤيدة لرسالته، وشأْنه في ذلك كشأْن (موسى) في أَمر عصاه، بل هي أَعظم إِعجازا، فإِن جعل الحياة في العصا حتى تبتلع السحر، أَبلغ من إِحياءِ الميت، لأَن العصا ليست أَهلا للحياة بخلاف الميت فإِنه أَهل لها، كما أَنها أَعظم من إِبراءِ الأَكمه والأَبرص بالأَولى.