بالربذة (١) فإِذا أَنا بأَبى ذر فقلت له: ما أَنزلك منزلك هذا؟ قال: كنت بالشام، فاختلفت أَنا ومعاوية في: ﴿الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا في سَبِيلِ اللهِ﴾ فقال معاوية: نزلت في أَهل، الكتاب، فقلت: نزلت فينا وفيهم، وكان بيني وبينه في ذلك، فكتب إِلى عثمان يشكونى، فكتب إِلىَّ عثمان أَن اقْدَمِ المدينة فقدمتُها، فأكثر علىَّ الناس حتى كأَنهم لم يرونى قبل ذلك، فذكرت ذلك لعثمان، فقال: إِن شئت تنحَّيت فكنتَ قريبا، فذاك الذي أَنزلنى هذا المنزل، ولو أَمَّروا علىَّ حبشيًّا لسمعتُ وأَطعتُ".
وقد علمتَ ممَّا تقدم مذهبه الذي اختلف بموجبه مع معاوية وهو أن الكنز ما فضل عن الحاجة وأَن الآية في المسلمين وأَهل الكتاب، وتفسير الكنز بذلك انفرد به أَبو ذر، وهو من شدائده المنقولة عنه كما قال القرطبى، وقد عرفت آراءَ غيره في الآية قبل الحديث عن مذهبه. وقيل: الكنز مَا لَمْ تُؤَدَّ منه الحقوق العارضة، كفك الأَسير وإِطعام الجائع وغير ذلك من الحقوق، والله تعالى أَعلم.
والمعنى: والذين يجمعون الذهب والفضة، ولا ينفقونها في سبيل الله، وهو ما تشتد حاجة المسلمين إليه من زكاة وفك أَسير وإِطعام جائع وتفريج ضائقة، وغير ذلك من الحقوق التي أَوجبها الشرع في المال، فأَنذرهم بعذاب أَليم، وهو ما بينه الله بقوله:
أَي يعذب الكانزون يوم يوقد على أَموالهم من الذهب والفضة، في نار جهنم، فتكوى بها بعد إِحمائِها واتقادها جباههم التي يترفعون بها على الناس، وجنوبهم التي يعرضون بها عن الفقراء وظهورهم التي أَداروها لهم، ويقال لهم تأْنيبا وتوبيخا:
﴿هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ﴾: أَي هذا جزاءُ كنزكم المال لأَنفسكم، دون أَن تؤَدوا حق الله فيه.
ولما كان الكى في الوجوه أَشنع، وفي الجنوب والظهور أَوجع، خصت من بين سائر الأَعضاءِ، وقال بعض العلماءِ: إِنما خصت هذه الأَعضاءُ؛ لأَن الغنى إذا رأَى الفقير جمع