ويروى أَن النبي ﷺ لم يخرج في غزوة غزاها إِلا ورَّى بغيرها، ما عدا تبوك، فإِنه ﷺ بين المقصود فيها؛ ليستعدوا لها، والخطاب لعموم المؤمنين، وإِن كان التثاقل في طائفة منهم ليشعر من تثاقل منهم بالتقصير، وليزداد حرص من نفروا للقتال على دوام الاستجابة للجهاد مهما كانت الأَحوال، حتى لا يقعوا تحت طائلة اللوم والتوبيخ كهؤلاءِ المقصرين، وليجتهدوا في أَن لا يكون بينهم من يتكاسَل في تلبية نداءِ الجهاد في سبيل الله.
والمعنى: يا أَيها الذين آمنوا، أَي شيء حصل لكم فثبطكم عن النهوض للجهاد، حين قال لكم النبي ﷺ انفروا واخرجوا للقتال في سبيل الله في غزوة تبوك، تثاقلتم وتباطأْتم وحرصتم على البقاءِ في الأَرض التي أَنتم بها، مائلين إِلى لذائذ الدنيا وشهواتها السريعة الفناءِ، وكرهتم مشاق الغزو ومتاعبه، وتعللتم للتخلف بِأَعذار ليس من شأْنها أَن تمنعكم من شرف الجهاد.
أَرضيتم بمتاع الحياة الدنيا ولذائذها الزائلة، بدلا من متاع الآخرة ونعيمها الدائم، إِن ذلك فساد في الرأْى والاختيار، فما متاع الحياة الدنيا في جنب متاع الآخرةِ إِلا قليل لا ينبغي أَن يحرص عليه.
أَي إِلا تخرجوا للقتال في سبيل الله حين يطلب منكم الخروج إِليه، يعذبكم الله عذابًا شديدا بما يصيبكم به في الدنيا من البلايا والمحن، ويأْت بقوم آخرين بدلا منكم، يسارعون إِلى نصرة الحق وتأْييد رسوله ويؤثرون الآخرة على الدنيا.
أَي ولَا تضروا الله شيئًا بتخلفكم وتثاقلكم، فهو الغنى عنكم وعن جهادكم والله على كل شيء قدير، فلا يصعب عليه أَن يؤيد دينه بغيركم، كما لا يشق عليه أَي شيء يريده في ملكه.