وفسر بعض العلماءِ الخفة بالغنى والثقل بالفقر وقيل: إِن الخفاف هم الذين يسبقون إِلى الحرب كالطليعة وهم مقدمة الجيش، والثقال الجيش بأَسره.
والمعنى: اخرجوا للجهاد في سبيل الله على أَي حال كنتم شبانًا أَو شيوخًا، أَغنياءً أَو فقراءَ، نفوسكم خالية مما يشغلها، أَو لديها من الشواغل ما يثقلها، وارضوا بمواقعكم في الجيش كيف كانت، وجاهدوا في سبيل الله بأَموالكم وأَنفسكم، ولا تدخروا وسعًا في تجريد نياتكم لله والحصول على النصر، ذلكم الذي أَمرناكم به خير لكم وأَنفع من تركه، إِن كنتم تعلمون مصلحتكم فاعملوا به ونفذوه، ففيه عز الإِسلام ومجد المسلمين.
أَي لو كان ما دعوا إِليه نفعًا دنيويًا قريب المنال سهل المأْخذ، وسفرًا متوسطًا لا مشقة فيه، لاتَّبعوك طمعًا في الحصول على المغانم السهلة القريبة، ولكن بعدت عليهم المسافة الشاقة من المدينة إِلى تبوك، فلهذا تخلفوا عن اتباعك، وآثروا الراحة والدعة.
وسيحلف بالله أُولئك المتخلفون عن تبوك، بعد رجوعك منها، قائلين على سبيل الاعتذار عن تخلفهم: لو كنا نستطيع الخروج معك إِلى تبوك لخرجنا إِليها، يريدون بذلك أَنهم لم تكن لهم قدرة على الجهاد لضعف الصحة، أَو عدم وجود المال أَو الراحلة، أَو غير ذلك من الأَعذار، يهلكون أَنفسهم بهذه اليمين الفاجرة يقسمون بها على الادعاءِ الكاذب، والله يعلم إِنهم لكاذبون في أَيمانهم واعتذارهم، فقد كانوا يستطيعون الخروج ولم يكن لهم عذر في التخلف، فكيف يجرءُون على الكذب على الله وعلى رسوله ﷺ.