وتصدير الآية بقوله تعالى: ﴿عَفَا اللهُ عَنْكَ﴾ قَبْل عتاب النبي ﷺ على الإِذن لهم بالتخلف، من باب التلطف في العتاب، وكان النبي ﷺ قد أَذن لهؤلاءِ المنافقين بالتخلف من غير وحى نزل فيه، قال قتادة وعمرو بن ميمون: ثنتان فعلهما النبي ﷺ لم يؤمر بهما، إِذنه لطائفة من المنافقين في التخلف عنه، ولم يكن له أَن يمضي شيئًا إلا بوحى، وأَخذة من أَسارى بدر الفدية، فعاتبه الله كما تسمعون.
قال المحققون: وهذا ترك للأَولى، وليس من باب ارتكاب المحرم؛ لأَنه لم يكن هناك أَمر خالفه الرسول ﷺ.
والمعنى: عفا الله عنك أَيها النبي فلم يؤاخذك في الإِذن لبعض المنافقين في التخلف عن الغزو، لماذا أَذنت لهم بذلك بعد اعتذارهم، ولم تنتظر حتى يظهر لك الصادقون فيما أَبدوه من المعاذير، وتعلم الكاذبين فيها منهم، ثم شاءَ الله تعالى أَن يفضحهم بعد أَن تستروا بمعاذيرهم الكاذبة فقال سبحانه:
أَي ليس من عادة المؤمنين الصادقين أَن يستَأْذنوك في الجهاد بأَموالهم وأَنفسهم في سبيل الله، بل يبادروا إِليه من غير إِذن، إِذا سمعوا النداءَ العام إِلى الجهاد، فضلا عن أَنهم لا يستأْذنونك في التخلف، وحيث استأْذنك هؤلاءِ في التخلف كان ذلك دليلًا على نفاقهم، فكان الأَولى أَن لا تأْذن لهم فيه حتى يتخلفوا دون إِذن فينكشف حالهم لك وللمؤمنين، ويتجلى للجميع أَنهم غير صادقين في إِيمانهم لتخلفهم عن الجهاد بدون عذر.
﴿وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ﴾:
أَي أَنه تعالى محيط علمه بالمتقين وما اشتملت عليه قلوبهم من الإِخلاص في سبيل الله والاستجابة لداعى الجهاد بنشاط وهمة، فيجزيهم على ذلك الجزاءَ الأَوفى.