هؤُلاءِ المنافقون الذين استأْذنوك في التخلف عن الجهاد ليس عندهم شئٌ من الميل نحوك، ولا الرغبة في مرضاتك كما يزعمون، ذلك أَنه إِن تصبك نعمة من الله بنصر وغنيمة تسؤْهم وتحزنهم، لفرط حسدهم وكراهتهم لك، وإِن تُصِبْكَ مصيبة تؤْلمك كالذى أَصابك يوم أُحد من الجراح والهزيمة، يقولوا مغتبطين لتخلفهم، حامدين لرأْيهم وسياستهم، قد احتطنا وأَخذنا أَمرنا من قبل المصيبة بتلافى ما يهمنا، حيث اعتزلنا المقاتلين، وقعدنا عن الحرب، ودارينا الكفرة بذلك، حيث اعتزلنا المسلمين وهم في قوتهم قبل أَن يهزموا، وسلمنا مما أَصاب المقاتلين من قتل وجرح.
﴿وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ﴾:
أَي وينصرفوا عن المجلس الذي كانوا يتحدثون فيه حديثهم هذا، وهم كثيرو الفرح بهزيمة المسلمين، ونجاة أَنفسهم بأَخذهم حذرهم واحتياطهم بالتخلف عنهم، ...... وقيل: المراد بتوليهم إِعراضهم عن النبي ﷺ بعد الهزيمة.
قل أَيها الرسول لهؤُلاءِ المنافقين الشامتين ردًّا على شماتتهم: لن يحدث لنا إِلا ما قدره الله علينا، لا يتغير بموافقتكم ولا بمخالفتكم، فإِن نصرنا فلا أَثر لكم في النصر إِن وجدتم معنا، وإِن هزمنا فلا أَثر لكم في الهزيمة إِن تخلفتم عنا، والله وحده هو ناصرنا، وعليه لا على غيره فليعتمد المؤْمنون.
قل أَيها الرسول لهؤُلاءِ المنافقين الشامتين إِمعانًا في الرد عليهم، وبيانًا لحسن عاقبة المؤْمنين المجاهدين: ما تنتظرون بنا إِلا إِحدى العاقبتين الحسنيين - وهما النصر والشهادة - وما تتمنونه لنا وتفرحون به من القتل لتتخلصوا منا، هو أَنفع لنا من النصر والغنيمة اللذين تعدونهما منفعة لنا، وتتأَلمون من حصول المجاهدين عليهما.