والمعنى: قل أَيها النبي لهؤلاءِ المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك وعرضوا المساهمة في تفقاتها بأَموالهم: أَنفِقوا أَموالكم في سبيل الله طائعين راضين، أَو متورطين كارهين، فلن يتقبل الله منكم ما تنفقون، ولن يثيبكم عليه، ولن يشفع لكم في تخلفكم عن تبوك لأَغراض خبيثة في نفوسكم، إِنكم كنتم وما زلتم قومًا عتاة متمردين، فقد أَبطنتم الكفر ونافقتم الإِسلام، فكيف يتقبل الله من الكافرين المرائين، وقد بين الله فسقهم الذي كان سببًا في عدم قبول إِنفاقهم بقوله:
أَي: وما منعهم شئٌ من قَبُول نفقاتهم إِلا كفرهم القلبى باللهِ وبرسوله، وأَنهم لا يؤدون الصلاة في نشاط وإِقبال بل يؤدونها وهم كسالى متثاقلون، ولا ينفقون من أَموالهم في سبيل الله عن رضا وراحة نفس، بل يفعلون ذلك وهم كارهون، لأَنهم لا يرجون بها ثوابا، ولا يخافون على تركها عقابا.
فلا تستحسن أَموالهم ولا أَولادهم يأَيها المتأَمل ولا تكن مغتبطا مسرورا بحالهم، فكل ذلك وبال عليهم واستدراج لهم، فما يريد الله بتلك النعم إِلا تعذيبهم بها في الحياة الدنيا، بما يكابدون من المشقة في تحصيل الأَموال وحفظها، ومن المتاعب في تربية الأَولاد، وما يريد لله بها أَيضا إِلا أَن تخرج أَنفسهم وأَرواحهم من أَجسادهم بعد ذلك بمشقة شديدة، وهم كافرون باللهِ ورسوله، حيث شغلتهم دنياهم عن أُخراهم، وغفلوا عما أُعد لهم فيها من عذاب مقيم.