والمعنى: هؤلاءِ المنافقون البخلاءُ، الحانثون في أيمانهم، الناقضون لعهودهم مع الله بالتصدق والصلاح والاستقامة، هم الذين يعيبون المتبرعين الأَغنياءَ، فيتهمونهم بالرياءِ فيما بذلوه بسخاءٍ، ويعيبون الفقراءَ فيما تبرعوا به من طعام قليل حصلوا عليه بجهد ومشقة وعيالهم بحاجة إِليه، فيسخرون منهم ومن تبرعهم القليل، زاعمين أَنهم يذكرون بأَنفسهم ليعطوا من الصدقة.
﴿سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ﴾: أَي جزاهم على سخريتهم بالإِذلال والإِهانة في الدنيا، ليكونوا موضع سخرية الناس واستهزائهم حزاءً لهم من جنس عملهم.
﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾: أَي ولهم يوم القيامة عذاب شديد الإِيلام.
روى أَن عبد الله بن عبد الله بن أَبىٍّ وكان من المخلصين الصادقين، سأَل رسول الله ﷺ أَن يستغفر لأَبيه في مرض موته ففعل رسول الله ﷺ إِكراما لهذا الصحابي الجليل، وذلك قبل النهي عن ذلك فنزلت الآية:
﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾: أَي سواءٌ طلبت المغفرة يا محمَّد لهؤلاءِ المنافقين أَو لم تطلبها لهم فإِن الله لا يغفر لهم، حتى إِن بالغت في الاستغفار لهم بأَكثر من هذا العدد. فلن يغفر الله لهم.
﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ﴾: أَي ذلك الوعيد بعدم المغفرة لهم، بسبب أَنهم كفروا بالله ورسوله، حين أَشركوا مع الله غيره وكذبوا رسوله ولم يؤمنوا بالدين الذي جاءَ به هدى للناس، وكان أَمرهم معه نفاقا في الظاهر وفسوقا وخروجا عليه في الباطن.
﴿وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾: والله لا يهدى القوم المتمردين الذين تجاوزوا الحدود، بل يتخلى عن معونتهم وتوفيقهم لإِصرارهم على الضلالة مع وضوح الحجة.
والتعبير بسبعين مرة يراد به الكثرة لا خصوص العدد، فلو زاد على السبعين في الاستغفار فلن يغفر الله لهم، لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾.