للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وللمفسرين والمتكلمين في الزيادة المذكورة في الآية آراءٌ: فعن الحسن أنها مضاعفة الحسنة إِلى عشر أَمثالها فأكثر إِلى سبعمائة ضعف أَو تزيد: وعن مجاهد رضوان الله عليه، هي مغفرة الله تعالى ورضوانه، ويرى جمهرة أهل السنة. أَنها النظر إِلى وجه الله سبحانه بعد حصولهم على ثوابه في الجنة، كما قال تعالى ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ (١). أَي يوم القيامة، فقد أَثبتت هذه الآية لأَهل الجنة أَمرين أَحدهما النضارة وهى حسن الوجوه، والثانى النظر إِلى وجهه الكريم، وإلى الأَول يشير قوله تعالى هنا:

﴿وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾:

أَي أَن أُولئك المحسنين مكرمون أَيضًا بأَن تتأَلق وجوههم بنضرة النعيم، فلا يلحقها قتر وهو الغُبْرة في سواد، ولا تلحقها ذلة وهي الخجل والانكسار، والقتر حالة حسية والذلة حالة نفسية، وقد أَخبر الله بعد ذلك بأَنهم أَصحاب الجنة، وذلك يشعر بأَنها كالملك لهم ﴿هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾: لا يخرجون منها أبدًا، كما قال تعالى: ﴿وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ﴾ (٢).

والآية في أُسلوبها تقصر الحسنى بجميع أَنواعها على المحسنين وحدهم ثم تفيد أَن الله يفيض عليهم زيادة عن الحسنى أَنواعًا من الإِنعام لا تعد ولا تحصى، وأَعلاها النظر إِلى وجهه الكريم، كما جاءَ في الآية السابقة، وأَن يحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم أَبدًا.

كما جاءَ في حديث الشيخين الذي تقدم ذكره، وقد أَعد الله لخيار المحسنين منازل في عليين، وهي أَعلى مكان في الجنة، وفيهم يقول النبي : "إِنَّ الرَّجُل منْ أَهْلِ علِّيِّينَ لَيُشْرِفُ عَلَى أهْلِ الْجَنَّةِ فَيُضِئُ الْجَنَّةَ بوَجْهِه كَأَنَّهُ كَوْكَبٌ دُرِّىّ" أَخرجه أبو داود.


(١) سورة القيامة، الآيتان: ٢٣،٢٢
(٢) سورة الحجر، من الآية: ٤٨