﴿هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ﴾ (١) وحرمتم البحيرة والسائبة والوصيلة والحامى وقلتم: ﴿مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا﴾ إلى غير ذلك مما حرمتموه واحللتموه، مع أنه كله حلال.
﴿قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ﴾: قل لهؤلاء الذين يحرمون رزق الله الحلال، هل الله أذن لكم في هذا التحريم، أم لم يأذن لكم، بل تفترونه عليه، ثم توعدهم على هذا الافتراءِ فقال:
الافتراءُ هو الكذب، وجمعهما معا في قوله تعالى: ﴿يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾ لإظهار مزيد قبح ما افتعلوه.
والمعنى: وأى شيء ظن أُولئك المفترون فيما سيقع يوم القيامة أيحسبون أنهم لا يُسألون عن افترائهم، أَو لا يجازون عليه، أَم أَنهم يجازون جزاءً يسيرا، ولأجل ذلك يفعلون ما يفعلون كلا إِنهم سيلقون أَشد العذاب؛ لأن معصيتهم أشد المعاصي، ومن أَظلم ممن افترى على الله كذبا.
إن الله لذو فضل عظيم على الناس جميعا، حيث أَنعم عليهم بالعقل المميز بين الحق والباطل والحسن والقبيح، ورحمهم بإِنزال الكتب وإرسال الرسل، ليبين لهم بذلك الأحكام التي لا تصل إِليها عقولهم، وأَرشدهم إلى ما يهمهم من أَمر المعاش والمعاد، وأَحل لهم الطيبات وحرم عليهم الخبائث ولكن أكثرهم لا يشكرون تلك النعم، فلا يصرفون قواهم ومشاعرهم إلى ما خلقت له ولا يتبعون دليل العقل فيما يستقل به، ولا يتبعون دليل الشرع فيما لا يدرك إلا به، مع أَنه قد بين لهم ما سيلقونه يوم القيامة إن أعرضوا عن الحق، ولكنهم لا يلتفتون إليه.
(١) راجع تفسير الآيتين ١٣٩،١٣٨ من سورة الأنعام والآية ١٠٣ من سورة المائدة.