والمعنى: وقال فرعون آمرا قومه: اجمعوا لى من جميع أنحاء مملكتى كل ساحر واسع العلم بفنون السحر، عظيم الخبرة به قوى التأثير بارع الحيلة كى يعارض بهم معجزة موسى ﵇.
أي فحشروا لفرعون كل ماهرٍ في صناعة السحر، فلما جاءُوا إليه واجتمعوا لديه قال لهم موسى ألقوا ما استقر رأيكم على إلقائه من أَنواع السحر، وقدموا ما عزمتم على فعله وأَظهروا كل ما في طاقتكم من سحر ليظهر بطلانه على رءُوس الأشهاد.
ولم يطلب إِليهم موسى ﵇. أن يبدأوا بإظهار سحرهم عقب مجيئهم إِلى فرعون وإنما كان بعد أن خيروه بين أَن يبدأ هو أو يكونوا هم البادئين، كما حكاه القرآن في سورة الأعراف ﴿إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ﴾ (١).
ولوثوقهم بتغلبهم عليه خيروه، كما كان طلب موسى منهم أَن يبدأوا ليعطيهم الفرصة كاملة لإظهار ما في طاقتهم من السحر في هدوءٍ تام واطمئنان كامل، وحتى يجد الحق بعد الباطل نفوسًا تتقبله وعقولا تتدبره.
أي فلما أَلقوا ما لديهم من العصى والحبال وأظهروا كل ما في طاقتهم من فنون السحر استرهبوا الناس وجاءوا بسحر عظيم. ولثقة موسى ﵇ بصدق رسالته، وإيمانه بنصر الله له، وتثبيت الله لقلبه، وتكذيبًا لما رموه من السحر قال لهم: الذي جئتم به وبذلتم في إِظهاره أَقصى جهدكم هو السحر، ولا يفلح الساحر حيث أتى، وتأْكيدا لثقته بتحقيق ما تقدم قال فيما حكاه القرآن عنه ﴿إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ﴾: أَي إن الله سيمحق هذا السحر فلا يبقى له من أثر بما يظهره على يدى من المعجزات، فإن الباطل لا يدوم مهما كثر وانتشر.