بعد أن أطمأَن موسى ﵇ إلى استقرار قومه في البيوت التي اتخذها هو وأخوه لسكناهم جاءَت هذه الآية تبين أنه اتجه إِلى الله بالدعاءِ على فرعون وملئه وبعد أن يئس من إيمانهم.
والمعنى: وقال موسى ﵇ مناجيا رب العالمين ﷾ يا ربنا إنك أعطيت فرعون والرؤساء من قومه زينة من لباس حسن جميل وحلى وجواهر، وأثاث فأخر وقصور عالية، وغير ذلك مما يتزين به، ومنحتهم أَنواعًا كثيرة من الأموال فكانت عاقبة هذه النعم أنهم بالغو في الكفر بك، وجعلوها وسيلة قهر وبطش وطغيان، وضلوا بها وأضلوا عن سواءِ السبيل واستحبوا الحياة الدنيا على الآخرة، وأغلقوا قلوبهم دون قبول الخير، فاستوجبوا دعائى عليهم ﴿رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾: أَي يا ربنا أهلك هذه الأموال التي استعبدوا الناس بها، وأَكثروا في الأرض الفساد بسببها، أهلكها ليزول سلطانهم ويذلوا، واربط على قلوبهم بحيث تكون قاسية جامدة لا تنشرح للإيمان، فإنها ليست له أهلا، لنبذهم شريعتك وتكذيبهم رسالتك بسوءِ اختيارهم، اربط على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم حيث لا ينفع نفسا إِيمانها لم تكن آمنت من قبل أَو كسبت في إيمانها خيرا، ليكون انتقامك منهم شديدًا وعبرة لغيرهم، وهو ما كان من فرعون فيما حكاه القرآن الكريم بقوله: ﴿حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوإِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ (١).
وقدم موسى ﵇ بين يدي دعائه على فرعون وقومه ذكر طغيانهم ليكون أرجى لاستجابة الله له، وتشهيرا بهؤلاء الذين لم يقدروا نعم الله حق قدرها.
وكرر النداءَ (ربنا) مبالغة في الضراعة إِليه تعالى، حتى يستجيب له لمبالغتهم في العناد والطغيان، والتنكر لأَنعُم الله ومقابلتهم الإحسان بالكفران.
٨٩ - ﴿قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾: أَي قال الله تعالى - خطابا لموسى وهارون ﵉ قد أَجبتُ دعاءكما، وحققت رجاءكما