للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الضخمة من هو بحاجة إِلى التثبيت، وكيف يعمل لها بهمة وصدق عزيمة لا تعرف الكلل، حتى دخل الناس في دين الله أَفواجا، وذاع في عهده وانتشر حتى غطى الجزيرة العربية كلها، فوالله لولا أَنه ثابت الجنان عظيم الاطمئنان، واثق من دين الرحمن، لما استطاع أَن يفلت من حصار أَهل الشرك له بمكة، بل كان يسلم لهم القياد، ويجيبهم إِلى ما يبتغون فأَسمعهم حين يخاطبهم خطاب الواثق من نفسه بأَنه يبلغ عن الله - تعالى -: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (١) ولقد علم الناس من سيرته الوثيقة، أَنهم عرضوا عليه الرياسة والمال بعد أَن يئسوا من استجابته بالإِيذاءِ فأَبى وقرأَ عليهم سورة فصلت، وقد جاءَ فيها: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾ (٢). فهل يكون هذا حال من هو محتاج إِلى التثبيت .. ؟

ولقد أَحسن البيضاوى إِذ حكى في آخر كلامه، رأْيًا لبعض المفسرين أَن الخطاب في قوله تعالى: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ .. ﴾ إِلخ لكل من يسمع، وقال في معناه على هذا الرأْى: أَي إِن كنت أَيها السامع في شك مما أَنزلنا على نبينا إليك ﴿فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ﴾.

ولو أَن الإِمام البيضاوى وغيره اقتصر على هذا الرأْى، ولم يذكر معه سواه - لا قَبْله ولا بَعْده - لكان قد أَسدى خيرًا للحق الذي يجانب غيره من تلك الآراءِ الفاسدة، المخالفة لنص القرآن ولواقع النبي من الهمة ومضاءِ العزيمة، ومن ثباته على دينه رغم المغريات من الملك والمال، بعد أَن لم يصرفه عن دينه الإِيذاءُ والاستهزاءُ.

﴿لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾: لقد جاءَك أَيها المكلف الحق من ربك فلا تكونن من أَصحاب الشكوك والأَوهام، بل كن من ذوى الإيمان الثابت بهذا الحق المبين.

٩٥ - ﴿وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾: هذه الآية خير شاهد لما قلناه من أَن الخطاب ليس موجهًا إِلى الرسول ،


(١) سورة يونس، الآية ١٠٤
(٢) الآية: ١٣