هذه الآية الكريمة ترتيبًا على ما تقدم لتقرير هذا المعنى: إذ بينت أَن الله تعالى قد أهلك الذين أَخروا إيمانهم من الأمم السابقة، حتى إذا عاينوا الهلاك قالوا آمنا.
والمعنى: فهلا كان أهل كل قرية بعث الله إِليهم رسولا، بادروا إِلى الإيمان بما جاءَهم به قبل أَن يحيط العذاب بهم فيقبله منهم وينجيهم من الهلاك: لكن لم يبادروا بالإيمان قبله فهلكوا.
أَي لكن قوم يونس ﵇ لما آمنوا عندما رأَوا أَمارات العذاب، وتابوا إِلى الله - تعالى - قبل حلوله بهم، أَزال الله عنهم عذاب الذل والهوان في الحياة الدنيا وكشفه عنهم بعد أن كاد يقع بهم، ومتعهم بما في الدنيا من زينة ونعيم ومتاع إلى انقضاءِ آجالهم، لمسارعتهم إِلى التصديق بما جاءَ به رسولهم عند رؤيتهم أَمارات العذاب.
روى عن عبد الله بن مسعود وسعيد بن جبير وعبد الله بن عباس أن يونس ﵇ أرسل إِلى أَهل نينوى من أَرض الموصل - وكانوا أهل كفر وشرك - فكذبوه وأصروا على ذلك، فأوحى الله إِليه أنْ أَنذرهم أن العذاب يصبحهم بعد ثلاث ليال، فأخبرهم بذلك، فلما قرب موعد الإنذار غامت السماء غيمًا أَسود هائلا، ذا دخان شديد، فهبط حتى غشى مدينتهم، فاستولى عليهم الخوف والفزع، فطلبوا يونس فلم يجدوه، فأَيقنوا صدقه فلبسوا المسوح، وخرجوا إِلى الصحراءِ بأَنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابهم، وفرقوا بين كل والدة وولدها من الناس والدواب، فَحَنَّ بعضها إِلى بعض - فَحَنَّت الأولاد إلى الأُمهات والأُمهات إلى الأَولاد وعلت الأَصوات والضجيج، وأَخلصوا النية وأَعلنوا إيمانهم، وتضرعوا إِلى الله فاستجاب دعاءهم فرحمهم، وكشف عنهم العذاب بعد ما أَظلهم، وليس هذا الذي نقلناه عن عبد الله بن مسعود وغيره حديثًا مرفوعًا بل هو أَثر مروى عنهم في تفسير الآية والله تعالى أعلم.