المنافقين بين ما هو مرتبط بمسلك المشركين بمكة، قال العلامَةُ البيضاوى بعد حكايته القول بأنها نزلت في المنافقين وفيه نظر، إذ الآية مكية، والنفاق حدث في المدينة اهـ. ويؤيد ذلك ما روى عن ابن عباس في سبب نزولها، فقد روى عنه أَنها نزلت في الأخنس بن شريق وكان رجلًا حلو المنطق حسن السياق للحديث، يظهر لرسول الله ﷺ المحبة، ويضمر في قلبه ضدها.
والمعنى: ألا إن الكافرين الذين لم يتأثروا بآيات القرآن، يطوون صدورهم على الكفر وعداوة الرسول ﷺ ولا ينتفعون بتلك الزواجر التي تقدمت في صدر السورة، يريدون أن يخفوا أَمرهم عن الله، أو يعتقدون أن أمرهم يخفى عليه، ثم رد الله عليهم وخطَّأَ مسلكهم فقال:
ليس المراد من استغشائهم ثيابهم المعنى الحقيقى، بل المراد: مبالغتهم في إِخفاء أَمرهم فهو من التعبيرات الكنائية، ويدل لذلك قوله تعالى في ختام الآية: ﴿يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ والمعنى: ألا إنهم حين يبالغون في ستر حالهم وإِخفاءِ كفرهم وعداوتهم للرسول ﷺ ويستخفون تحت ظواهرهم من المودة والملاطفة، يعلم الله ما يخفونه من الكفر باللهِ والعداوة لرسوله، وجميع ما تنطوى عليه جوانحهم، ويعلم ما يعلنونه من جميع ظواهرهم، وصدق الله إذ يقول في سورة سبأ: ﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾.