وجمع بي كلام الفريقين فى التظم الكريم: للإيجاز، وثقة بأن السامع يرد إلى كل فريق قوله؛ لأن العداوة بين القريقين معلومة.
ولقد رد الله فريتهم هذه مشيرا إليها بكل بقولة: ﴿تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ﴾ أي تلك أوهامهم الكاذبة التي لا أَساس لها. والأماني تطلق على ما يتمنى دون أَن يكون له سبب. فلذا أُريد منها -هنا- الأكاذيب مجازا. وجمعت مع أُنها أُمنية واحدة، لتعدد أَصحابها، أو لأَنها مشتملة على أَماني ثلاث: أُمنية اليهود دخول الجنة وحدهم، وأُمنية النصارى كذلك، وأُمنيتهم جميعا أَلا يدخلها المسلمون. ثم أمر الله نبيه ﷺ أن يقول لهم مبكتا: ﴿هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾ أَي: أَحضروا حجتكم على اختصاصكم بدخول الجنة ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ فيما زعمتموه، فإن كل دعوى لا دليل عليها باطلة. و"إن" تستعمل لفرض ما لا يتوقع حصوله أحيانا، كما هنا.
ثم نفى سبحانه ما زعموه صريحا بعد أَن عرَّض بكذبه، وأثبت عكس ما يقولون فقال:
أي: بل يدخل الجنة: من أَخلص نفسه وذاته لله، فآمن به ونزهه - تعالى- عن الولد ﴿وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾: في جميع أعماله التي منها الإسلام. ﴿فَلَهُ أَجْرُه﴾ اللائق به ﴿عِنْدَ رَبِّهِ﴾: المنعم المتفضل المربي في دار كرامته، كما وعده سبحانه. ﴿وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ في الدارين من لحوق مكروه. (وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) على فوت مطلوب. فأمرهم كله أَمان واستبشار. أَما أَنتم -يأهل الكتاب- فلم تسلموا وجوهكم لله ولم تحسنوا، إذ كفرتم برسوله وكتابه، فلا حق لكم في جنته. وسوف تكونون في خوف داثم وحزن مقيم، وجعل الوجه كناية عن النفس؛ لأنه ترجمان عما تنطوى عليه من عقائد وأخلاق وصفات. فهو مظهر مشاعرها.
قال القرطبي: والعرب تخبر بالوجه عن جملة الشيء. ويصح أن يكون الوجه في الآية: المقصد. اهـ.