﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ﴾ معتد به في أمر الدين. ﴿وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ﴾ كذلك. ثم الله مدى جهلهم وعنادهم جميعًا، بحكاية حالهم فقال: ﴿وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ﴾ السماوي، ومن كان تاليًا للكتاب السماوي، فشأنه أن يعترف بما في كتاب سماوي مثله من الحق، وألا يقول لأهله: لستم على شيء.
فاليهود يقرءُون في كتابهم: ما يقتضى صحة رسالة عيسى وصدق ما جاء به، والنصارى يقرءون في كتابهم - الإنجيل - أن موسى نبي، وأن التوراة من عند الله، إذ الكتب السماوية متصادقة، فقولهم هذا: دليل الجهل والعناد. ﴿كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ﴾ أي: مثل ذلك القول قاله الذي لا علم لهم أصلًا، وهم المشركون وأمثالهم من المعطلة والجهلاءِ، فلا تيأس يا محمد لما يقولون عن الإسلام ﴿فَاللَّهُ﴾ وحده ﴿يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ فهو الذي يعلم الدين الحق ﴿فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ في شأن الدين، فيقضي بأن دين كل منهما، كان على الحق في زمانه: قبل أن يبدل، وقبل أن ينسخ بما بعده، ويعاقب كلا بما يستحق من عقاب على افترائه.
وفي التعبير بعلى - في قول بعضهم لبعض: لستم ﴿عَلَى شَيْءٍ﴾ المفيدة للاستعلاء والتمكن، وتنكير (شَيْءٍ) المفيد للتحقير - كمال المبالغة في تضليل كل فريق منهما للآخر.
وفي التعبير بقوله: ﴿كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ﴾ إيذان بأن تلك المقالة لا تصدر عن شخص متصف بالعلم، بل هي مما يقول الجاهلون، فإن شأن أهل العلم أن يقروا بالحق لأهله، وفي هذا توبيخ عظيم لكلا الفريقين، حيث نظموا في سلك لا يعلم أصلا، وحذف المحكوم به على كل فريق، تهويلًا لشأْنه.