أي: وأَوحى الله إِلى نوح أَنه لن يستجيب لدعوتك أَحد من قومك سوى الذين آمنوا بك من قبلُ، فلا مجال لبذل النصيحة والدعوة إلى الهداية مع مصرين على الكفر تلك الدهور الطويلة.
﴿فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾:
أَي فلا تحزن عليهم ولا يَضِقْ صدرك بكفرهم ومكرهم، وانغماسهم في الآثام والذنوب.
ظاهر الآية أن نوحا ﵇ شفع في قومه أو كان بصدد أن يشفع فيهم فنهي عن ذلك، وسيأتى في سورة نوح أنه ﷺ طلب من ربِّه أن يُهلكهم بقوله:
﴿رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ (١). وتوفيقا بين هذه الآية وبين ما جاءَ هنا نقول: إِنه سبحانه يعلم شفقة نوح بقومه وطول إِقامته - معهم، وأنه قد يدعو ربه أن يتأَنى معهم وأن لا يغرقهم أو كان قد دعاه فعلا، فلهذا نبهه هنا إلى أن لا يطلب منه ذلك مستقبلا، فقضاء الله فيهم لا رجعة فيه بشفاعته، فلا يطلب منه ما سبيل إلى إِجابته.
أما ما سيأْتى في سورة نوح من قوله: ﴿رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾. فقد صدر منه بعد يأْسه تماما من إيمان قومه.
والمعنى: ولا تخاطبنى في تأجيل تعذيب هؤُلاء الذين ظلموا أنفسهم ونبيهم، إِنهم مغرقون ولابُدَّ، فلا مجال للرحمة بهم ولا مفرَّ من إهلاكهم.