(أحدها): كيف ينادي نوح ابنه ليركب معه في السفينة مع أَنه نهى عن ذلك بقوله سبحانه: ﴿وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ﴾؛ ومن سبق عليه قول الله هم الذين قضى بإغراقهم لكفرهم؟ وقد أُجيب عن ذلك: بأَنه لم يقطع الأَهل في إِيمانه إِذ لم يكن لديه علم بأَنه مصرُّ على الكفر وأنه من المغرقين، إلا بعد أَن أَخبره الله بأَنه ليس من أهله المؤمنين وبأنه من المغرقين، ويدل لذلك قوله: ﴿ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ﴾. فكأَنه يقول له اركب معنا نحن المؤمنين وكن مؤْمنا في جملتنا، ولا .. تكن باقيا على الكفر مع الكافرين حتى لا تغرق بسبب كفرك وعزلتك معهم، وقيل: إنه كان ينافق أباه فيظهر له الإِيمان ويبطن الكفر فلذلك دعاه ليركب مع المؤْمنين ظانًّا أنه مؤمن، والرأْى الأَول أَظهر.
(وثانى هذه الأَسئلة):
ما المراد بكونه ﴿وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ﴾؟ والجواب: أَنه كان في مكان عزل فيه نفسه عن أَبيه وعن المؤْمنين وقتما كانوا على الشاطئ يستعدون لركوب السفينة، ولكنه كان بحيث يسمع النداءَ، فلذلك ناداه أَبوه بترك العزلة مع الكافرين، والانضمام إِليهم في الإيمان وركوب السفينة معهم.
(والسؤال الثالث):
ظاهر النص الكريم، أَن نوحا نادى ابنه وكانت السفينة تجرى بهم في موج كالجبال والمعقول أنه يناديه قبل أن تبحر بهم؟ والجواب: أن هذا حكاية لما حدث منه لولده قبل إبحار السفينة، وليس في النص ما يقتضي تأَخره إِلى ما بعد جريانها فكأَنه قيل: وهى تجرى بهم في موج كالجبال، وكان نوح قد نادى ولده ليترك مَعْزلَهُ، ويؤمن ويركب معهم، لينجو من الغرق في طوفان أَمواجه كالجبال، فأَبى وقال: سآوى إلى جبل يعصمنى من الماء الخ.
والمعنى الإجمالى للآية: فركبوا في السفينة بإذن الله جريها وإِرساؤها، وهى تجرى بهم في موج كالجبال، وكان نوح قبل إِبحارها قد نادى ابنيه وكان في مَعزل عنه وعمَّن