للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وسعى في خرابها بإلقاءِ القاذورات فيها، أو إغلاقها، أو الحيلولة دون دخول العابدين فيها، وتعطيل شعائرها الدينية بأي وجه من الوجوه.

وإنما وقع المنع على المساجد - مع أن الممنوع هم الناس - لأن طرح الأذى والتخريب ونحوهما، متعلق بالمساجد لا بالناس.

وظاهر الآية يفيد: أنه لا يوجد أظلم منه.

ولكن المراد: نفي وجود من يساويه في الظلم أيضًا، كما يدل عليه العرف.

فإذا قيل في معرض المدح مثلًا، من أكرم من فلان؟ فمعناه عرفًا: أنه لا يوجد أكرم منه ولا من يساويه.

﴿أُولَئِكَ﴾: المانعون المخربون للمساجد. ﴿مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ﴾ أي: ما كان ينبغي لهم دخولها إلا خاشعين خاضعين، بدلًا من الاجتراء على تخريبها أو تعطيلها. ﴿لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ أي: لأولئك المانعين المخربين هوان وذلة في الحياة الدنيا، أي: أن هذا الحكم يبقى إلى يوم القيامة، ولهم في الآخرة عقاب في النار عظيم لا يقادر قدره.

وإذا كان المراد من مساجد الله، مساجد المسلمين خاصة، وأن الآية نزلت في أعدائهم الكافرين، فمعنى الآية: لا أظلم من الكافرين الذين منعوا ذكر الله في مساجد المسلمين، بتخريب أو غيره، أولئك الكافرون، ما كان يحق لهم أن يدخلوها إلا خائفين من بطش المؤمنين بهم، فكيف يستقيم أن يستولوا عليها، ويمنعوا المؤمنين منها.

والخزي الذي لهم في الدنيا: بقتل مشركيهم، وضرب الجزية على أهل الذمة منهم. وحبسهم، ونحو ذلك.

ويقتضي حمل الآية على هذا المعنى: أن على المؤمنين أن يرهبوا الكافرين أعداء الله، ويكونوا في قوة ومنعة حتى يحموا بيوته، ويمنعوا أولئك الأعداء من تخريبها وتعطيلها.

واستنبطوا منها تحريم دخولهم فيها، وهذا رأي المالكية. وعليه يجعل قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ﴾: كناية عن النهي عن تمكينهم من دخولها، ليتفق ذلك مع قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ (١)


(١) التوبة: ٢٨.