يكون المراد - أنشأَكم من الأَرض - باعتبار أَن النطف التي خلقت منها ذرية آدم تتكون من الأَغذية التي نحصل عليها من زروع الأَرض وثمارها - أَوجدكم من الأرض - فأَنتم مدينون له بحياتكم ووجودكم.
﴿وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾: أَي وأَقدركم على عمارتها، ومكنكم من العمل فيها ومن استثمارها وبناءِ ما تسكنون فيه على ظهرها، بما وهبكم من عقل وقوة، وبما سخر لكم فيها من وسائل تنفذون بها ما ألهمكم معرفة كيفيته.
ولمَّا كان إِحسانه - تعالى - عليهم بتلك النعم يستدعى الاستغفار والتوبة، رتب عليه الأمر بهما إذ قال: ﴿فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾: أي فاطلبوا ممن غمركم بإِحسانه العميم أَن يستر بإيمانكم وأعمالكم الصالحة ما اقترفتموه من الشرك والخطايا، ثم ارجعوا إليه بتخليص أَنفسكم من الذنوب نادمين على ما فرط منها، عازمين على عدم العودة إلى معصيته، مقبلين على طاعته راجين رحمته.
ثم رغَّبهم في الاستغفار والتوبة بقوله: ﴿إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ﴾: أي إِن ربي الذي أَدعوكم إِلى عبادته قريب بعفوه ممن يحسنون إلى أنفسهم بالاستغفار والتوبة منَ الشرك والخطايا، مجيب دعاءَ من رجع إِليه وأَناب. قال تعالى: ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾. وكانت ثمود تقيم بالحجر بين الحجاز والشام.
قال قوم صالح يردُّون على دعوته إيَّاهم إِلى التوحيد: يا صالح قد كنت بيننا رجلا فاضلا خيرًا نؤَملك لمهمات أُمورنا، كنت كذلك بيننا قبل هذا الذي أَمرتنا به ودعوتنا إِليه من التوحيد وترك عبادة الأَوثان، ثم خاب رجاؤُنا فيك وانقطع أَملنا وساءَ ظننا بعد أن سمعنا منك ما قلته لنا، ثم خاطبوه باستفهام ينكرون به عليه ما دعاهم إليه إذ قالوا: ﴿أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا﴾ أَي أتطلب منا أَن نترك عبادة الأوثان التي أقام على عبادتها آباؤنا طول حياتهم، إن هذا لشئٌ نرفضه ولا نقبله،