لا يمنع السبب المذكور، من ارتباط الآية بما قبلها: فإن الآية السابقة أفادت: أن بعض الظالمين قد يمنعون المصلين من الصلاة في مساجد الله، وهذه الآية أباحت الصلاة في أي مكان غير المساجد الممنوعة، على أن يتجهوا إلى جهة الله، أي قبلته التي شرعها، كما تضمنت إباحة صلاة النافلة للمسافر على الراحلة ونحوها، متجهًا إلى مقصده فهو قبلته، وهو الذي استفيد أيضًا من سبب النزول.
ولله وحده الأرض كلها: مشرقًا ومغربًا وما بينهما، ففي أي مكان، وجهتم وجوهكم نحو القبلة التي أمر الله عبادة بالاتجاه إليها: للعبادة والدعاء والذكر، فهناك - حيث توجهتم - جهة الله أي قبلته التي أُمرتم بالتوجه إليها.
فإن مُنعتم عن الصلاة إليها في مسجد أو مكان، فاستقبلوها - في فروضكم ونوافلكم - في مسجد أو مكان آخر. فإن إمكان الاتجاه إليها غير مختص بمسجد دون مسجد، أو مكان دون مكان.
ومن كان راكبًا على دابة ولا يمكنه أن ينزل عنها، لخوف - على نفسه أو ماله - من ضرر يلحقه بالانقطاع عن القافلة، أو كان بحيث لو نزل عنها لا يمكنه العودة إلى ركوبها، أو نحو ذلك، فإنه يصلي الفرض في هذه الأحوال على الدابة، إلى أي جهة يمكنه الاتجاه إليها، وتسقط عنه أركان الصلاة التي لا يستطيع فعلها على الصفة المطلوبة، ولا إعادة عليه (١). وحكم السيارة والقطار والطيارة حكم الدابة أيضًا.
وقيل: المراد: بوجه الله: ذاته. وهذا كناية عن عمله - تعالى - بعبادتهم في أي مكان.
قال أصحاب هذا الرأي: إن الآية نزلت لتنزيهه - تعالى - عن أن يكون في حيز وجهة، توطئة لتحويل القبلة إلى الكعبة.
والمعنى عليه: ولله المشرق والمغرب، فلا يختص ملكه وعلمه بمكان دون مكان، فأينما تولوا وجوهكم في الصلاة والدعاءِ، فهناك - حيث اتجهتم - سلطان الله وعلمه بعبادتكم، فلن تضيع عليكم.
ثم ختم الآية بهذا التذييل:
﴿إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾: يوسع على عباده في دينهم، ولا يكلفهم بما ليس في وسعهم ﴿عَلِيمٌ﴾: بمصالحهم وبما يعملون في مختلف أماكنهم.