والمعنى: ولما جاءَت رسل الله من الملائكة لوطا من عند إبراهيم حزن بسبب مجيئهم حزنا شديدا، لأَنَّهم جاءُوه في صور شباب من البشر حسان الوجوه، وخشى أَن يقصدهم قومه لارتكاب الفاحشة التي اشتهروا بها فيعجز عن مدافعتهم، وضاقت طاقته وضعف جهده عن احتمال نزولهم عنده، لعدم قدرته على تخليصهم من شر توقع حدوثه لهم من قومه.
﴿وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ﴾: أي وقال لوط ﵇ تعبيرا عن شدة ما لحقه من الهلع والفزع: هذا اليوم الذي نزل فيه هؤلاءِ الضيوف يوم شديد الشر لا أستطيع احتمال ما يحدث فيه لضيوفى.
أَي ولمَّا علم القوم بوجود هؤلاء الضيوف الحسان عند لوط، جاءُوا إليه يسرعون الخُطا في لهفةٍ طلبًا للفاحشة، وتلهفهم على فعل الفاحشة لم يكن غريبا، فقد اعتادوا فعل المنكرات من قبل ذلك كما قال تعالى:
﴿وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ﴾: أَي ومن قبل مجئ الملائكة إِلى لوط كان قومه مستمرين على آرتكاب الآثام، دائمين على فعل الموبقات، فلا عجب إِذا طلبوا الفاحشة مع ضيفه علنا جهارا بغير مبالاة.
﴿قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ﴾: أي وحين أسرع قوم لوط إِلى طلب الفاحشة مع ضيوفه ناداهم قائلا: ﴿يَا قَوْمِ﴾ ليستميلهم ويرقق قلوبهم، واستمر في محاولة تليين قلوبهم وجذب عواطفهم عسى أَن يثوبوا إلى الرشاد، فعرض عليهم عرضا كريما بقوله:
﴿هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ﴾: أي فتزوجوا بهن، هن أَنظف وأَشرف لكم، وليس فيما دأبتم عليه من إِتيان الرجال شهوة من دون النساءِ شئٌ من الطهر، فالنظافة والطهارة في التزوج بالنساءِ، والدنس والخبث في إِتيان الذُّكران من العالمين، قال الآلوسى: وكانوا يطلبون التزوج ببناته من قبل ولا يجيبهم لخبثهم وعدم كفاءَتهم، لا لعدم مشروعية زواج المؤمنات من الكفار فإنه كان جائزا، وقد زوج النبي ﷺ ابنته زينب لأَبى العاص بن الربيع وكان مشركا قبل أَن ينزل تحريم ذلك إلى آخر ما قال، وقد ذكرنا هنا تلخيصه.