من دعوتنا إلى ترك عبادة الأوثان ومنعنا من التصرف في أموالنا، وتهديدك إيانا بعذاب يحيط بنا ويبيدنا، أجابوه بذلك مع وضوح حجته وقوه برهانه وظهور مراده، واشتمال كلامه على فنون الحكم والمواعظ، وأَنواع العلوم والمعارف، ولما عجزوا عن محاجته هددوه باستعمال القوة حين قالوا:
﴿وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا﴾:
أَي وإنا لنشاهد ضعفك بيننا، ونعلم أن لا قدرة لك على شيء، ولا تستطيع أن تمتنع عنا إن أَردنا أَن نفتك بك.
﴿وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ﴾:
ولولا احترامنا لعشيرتك وأَهلك الذين ثبتوا على ديننا، ولم يؤثروك علينا، ولولا رهطك هؤلاء لقتلناك رجما بالحجارة.
﴿وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ﴾:
أي ولست عندنا قويًّا منيعا تستطيع أن تدفع ما نريده بك أو تحول بيننا وبين قتلك وإهلاكك.
وما يمنعنا عنك إلا أننا نُقَدِّر رهطك وعشيرتك ونحترمهم ونعزهم، ونسي هؤلاء الغافلون قوته وعزته برب العالمين، فلهذا وبَّخهم شُعيب على غفلتهم هذه - كما حكاه الله عنه بقوله:
٩٢ - ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ﴾:
قال لهم شُعيب ردا على هذا التهديد والاستهزاء: أَعشيرتى وأهلى يا قوم أَعزُّ وأكرم عليكم من الله ذى العزة والقدرة، وقد دعوتكم بأمره إلى ما يصلح شئونكم في الدنيا والآخرة فاعرضتم عنه.
﴿وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا﴾:
أَي ونبذتم أَمره وتركتموه وانصرفتم عنه كالشئ المهمل وراء الظهر فلا يلتفت إليه لعدم الاعتداد به.
﴿إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾:
أَي إن ربي لا يخفى عليه شيءٌ من أموركم فعلمه محيط بجميع أعمالكم وأقوالكم،