أي وما نؤَخر هذا اليوم الذي يجمع له الناس إلا لنهاية زمان محسوب بدقة تامة منا، فلا يتقدم عن هذه الغاية، ولا يتأخر عنها.، وقد استأثر الله تعالى بعلمه، وأَخفاه عن عباده، لحكم كثيرة يعلمها قال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (٤٢) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (٤٣) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (٤٤) إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (٤٥) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (٤٦)﴾ (١).
وإنما عبر الله عن الأجل المحسوب بالأَجل المعدود، ليشير بذلك إلى قلته، فإِنه لا يعد في العادة إلا القليل، ولا شك أَن ما بقى من عمر الدنيا بالنسبة لما مضى منها قليل، ولذا كان نبينا محمد ﷺ خاتم الأَنبياءِ والمرسلين.
أي حين يأتي هذا اليوم الذي أجل عقابهم إلى مجيئه، لا تتكلم أي نفس إلا بإِذن الله تعالى، فلا سلطان فيه لأحد من الملوك والرؤساء، فقد فنى سلطانهم وزال كبرياؤهم وملكهم، وانفرد الله وحده بالملك والعزة والسلطان، كما قال تعالى في سورة غافر: ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾. وفي سورة الحج: ﴿الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ﴾. وفي سورة الفرقان: ﴿الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ﴾.
ويتجلى سلطان الله تعالى وجلاله يومئذ على نحو ما بينه الله بقوله في سورة النبأ: ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (٣٨)﴾. وبمقتضى هذه الآية وعدالة الله تعالى، يأذن الله للكفار والمذنبين في الدفاع عن أَنفسهم كما قال تعالى في سورة النحل: ﴿يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا﴾. فإِذا قامت حجة الله عليهم بعد جدالهم عن أَنفسهم، خرست ألسنتهم. ولم يؤذن لهم بالاعتذار حينئذ، فقد ظهرت حجة الله عليهم واتضح