للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد دلَّت الآية على وجوب اتباع المنصوص عليه، من غير انحراف عنه بمجرد الرأى، فإِنه طغيان وضلال.

وأَما العمل بمقتضى الاجتهاد المترتب على علل المنصوص، فذلك من باب الاستقامة أيضًا، لقوله تعالى: "فَاعْتَبِرُوا يَا أولِى الْأَبْصَارِ (١) " فإِنه أَمر بالقياس، ومثال ذلك قياس عصير القصب إِذا أسكر في الحرمة، على الخمر المنصوص على حرمتها - لعلة الإِسكار - المشتركة بينهما.

والغرض من توجيه الأمر بالاستقامة على أمر الله إلى نبينا محمد في مقدمة من آمن وتاب - إلى الله وأَصبح في معيته، الغرض من ذلك أن يعلم الناس أَن عبادة الله وأوامره واجبة الاتباع حتى بالنسبة للأنبياء، وأنهم في مقدمة المكلفين بذلك، لأَنهم قدوة لأَقوامهم، فلا يباح لهم الخروج على أمره وعدم الاستقامة عليه بإِفراط، فإِن المنبت لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أَبقى، ولا بتفريط فإِنهم مكلفون بكمال العمل، لأَنه حق له تعالى، وليكونوا أسوة لغيرهم، ولأَنه تعالى طيب فلا يقيل إلا طيبًا - كما جاءَ في الحديث الشريف.

ولقد كانت شدة الالتزام بكمال الامتثال من النبي في هذه السورة وغيرها، داعية إِلي مشيبه ، قال : "شيبتنى هود والواقعة وأخواتهما" أخرجه الترمذي.

ومن هذا وأمثاله يعلم أنه لا طبقية في الإِسلام، فالكل عباد الله، وأنه لا فرق بين حاكم ومحكوم، ولا بين نبى وغيره في التزام شريعة الله ولهذا كان يقول للزهراء : "اعْمَلِى فَإنِّى لَا أغنى عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيئًا". وكان يقول أَيضًا: "وَالله لو سرَقَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ لَقَطَعْتُ يَدَها".

وقد أَوجب الله تعالى على عباده ما يسهِّل عليهم الاستقامة عليه من فعل الواجبات وترك المحرمات ولهذا قال : "إن الدِّينَ يُسْر وَلَنْ يُشادّ الدّينَ أَحَدٌ إلا غَلَبَة، فَسَدّدُوا وقَارِبُوا، وأسْتَعينوا بالْغُدْوة والرَّوْحَةِ وَشَىْءٍ مِن الدُّلْجَةِ". أخرجه البخاري عن أَبي هريرة في كتاب الحج - ومن تتبع التكاليف الشرعية وجدها سهلة ميسرة على


(١) سورة الحشر، من الآية: ٢