يرده، بل خلقهم وأَودع فيهم العقل، وأَعطاهم الاختيار، ووضح لهم الطريق، وأَقام الحجة بإرسال الرسل حتى تكون عقيدتهم وعملهم بكسبهم واختيارهم، ولكنهم اختلفوا بسوء رأْيهم في هذا كله، وأضاعوا فطرتهم المستقيمة المفطورة على الحق إلا من عصم الله منهم فثبتهم عليه.
﴿وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾:
ولا يزال الناس مختلفين، بعضهم على الحق، وبعضهم على الباطل، بعضم يستعمل عقله، ويسترشد مما رسمه له الرسل فيهتدى، وبعصهم لا ينتفع بذلك، بل يتبع هواه فيضل ويغوى.
أي لا يزال الناس مختلفين، بعضم على الحق وبعضم على الباطل، إلا من ﵏ ربك فهداهم ولطف بهم فإِنهم يتفقون على الدين الحق، ولا يختلفون فيه لأنهم يقبلون عليه سبحانه بقلوبهم وعقولهم فيحسن استقبالهم ويعينهم بفضله ورحمته.
﴿وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾: اللام في قوله ﴿وَلِذَلِكَ﴾ للعاقبة والإشارة راجعة إلى اختلاف الناس.
والمعنى: وخلقهم على الفطرة السليمة، لتكون عاقبتهم أَن يختلفوا، وما كان ينبغي لهم أن ينتهوا إلى ذلك، وقد منحهم الله العقل والتمييز، وأرسل إليهم الرسل ليهدوهم سواء السبيل، ويشهد لهذا التأويل قوله ﷺ:"كُل مَولودٍ يُولدُ عَلَى الفطرة فَأبوَاهُ يهودَانِهِ أوْ يُنَصرَانِهِ، أوْ يمجسَانِهِ" وقوله تعالىَ: ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ﴾ (١).
ومن العلماء من جعل الإشارة في قوله: ﴿وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ إلى الرحمة في قوله: ﴿إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ﴾.