ثالثا: أفاد قوله تعالى: ﴿قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ﴾ أنها لا تقص على غير شقيق ناصح، ولا على من لا يحسن التأويل فيها، قيل لمالك: أيَعبر الرؤيا كل أحد؟ فقال أبِالنُّبوة يلعب؟
وقال أيضا: لا يعبر الرؤيا إلا من يحسنها، فإن رأى خيرا أخبر به، وإن رأى مكروها فليقل خيرا أَو ليصمت، قيل فهل يعبرها على الخير وهى على المكروه، لقول من قال: إنها على ما تأولت عليه فقال: لا. ثم قال: الرؤيا جزءٌ من النبوة فلا يتلاعب بالنبوة.
رابعا: أفادت أيضا أن للمسلم أن يحذر المسلم ممن يخافه عليه ولو مسلما أو ابنا ولا يكون بذلك داخلا في إثم الغيبة، لأن يعقوب قد حذر ابنه يوسف من أولاده الآخرين من إن يقص رؤياه عليهم حتى لا يكيدوا له، كما أنه يستفاد ترك إظهار النعمة عند من تخشى غائلته حسدا وكيدا، وفي ذلك يقول ﷺ:"اسْتعِينُوا عَلى إنجاحِ حَوَائِجِكُم بالكِتْمانِ فإِنَ كلَّ ذِى نِعْمةٍ مَحْسُودٌ".
لما سمع يعقوب من يوسف رؤياه، أدرك أَنها إِلهام من الله وبشرى بأن يوسف ينتظره مستقبل سعيد يجعله رئيسا كبيرا، وأن أسرته جميعا ستكون في جملة من يعظمه كما أدرك أن إخوته إن علموا برؤياه هذه يكيدون له يدبرون المكايد حسدا له، كما حدث من قابيل مع أَخيه هابيل، حيث قتله من أَجل امرأة، وأحدث بذلك أول جريمة بشرية على الأرض، ولهذا أَوصى أبنه يوسف قائلا: يابنى لا تخبر إِخوتك برؤياك التي تشير إلى رفعتك عليهم، فيحرضهم الشيطان عليك فيكيدوا لك كيدا شديدا، أن الشيطان للإنسان عدو بين العداوة، واضح الكراهية، حريص على إِشعال النار بين أفراده، أقارب كانوا أو أَباعد، تنفيذا لوعيده لآدم: