وخلو وجهه لهم كناية عن إقباله عليهم بوجهه وإيثارهم بحبه حيث لا ينازعهم في ذلك أحد.
﴿وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ﴾:
المراد من صلاحهم صلاح أمرهم مع أبيهم، وانتظام شئون دنياهم.
والمعنى: اقتلوا يوسف أَو ابعدوه عن أرضنا بحيث لا يستطيع الرجوع إليها، يفرغ لكم وجه أبيكم، وتكونوا من بعد التخلص منه قومًا صالحين مع أبيكم، بأن يكون اكثر حبّا لكم وإقبالًا عليكم، وأن تنتظم معه شئون دنياكم فيكثر من بركم وإِغداق الخير عليكم، بعد يأسه من عودة يوسف، وخفاءَ أمره عليه.
وفسر الكلبي صلاحهم بتوبتهم إلى الله تعالى مما فعلوه بيوسف، ويبعده أن المتآمر على قتل أخيه لا يعقل أنه يفكر حين تآمره في مرضاة الله كما أنه لا يظن أن مثل هؤلاء يفكرون في صلاح أمرهم بالتوبة إلى الله، وهم يعلمون أن شرائع الله تعالى أجمعت على الحكم الذي جاءَ في سورة النساء، بقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ (١) فهو من الأَحكام التي لا تختلف فيها الشرائع، وقد نشأوا في بيت النبوة فلا يخفى هذا الحكم عليهم، فالصواب أن الصلاح الذي أرادوه هو صلاح دنياهم، وهو الذي دعاهم إلى التفكير في التخلص من يوسف، فهم طلاب دنيا وليسوا أهل تقوى.
﴿غَيَابَتِ الْجُبِّ﴾: الجب البئر قبل أن يبني محيطها، وأطلقه بعض اللغويين على البئر مطلقًا، وغيابة الجب: قاعه، وفسره الهروي بكهف أَو طَاق فيه فوق الماء، وأطلق عليه غيابة لأنه يغيب ما فيه عن العيون. ﴿السَّيَّارَةِ﴾: الجماعة التي تسير.