قلنا إِن واردهم الذي ذهب ليستقي لهم كان معه بعض الرفقاء ليعينوه في استخراج الماء وحمله إلى جماعتهم التي نزلت عن قرب من الجب، ويدل لذلك قوله تعالى:
﴿وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً﴾: بضمير الجماعة، كما تدل له طبيعة المهمة التي أرسل الوارد من أجلها، فإنها تقتضي أَن يقوم بها عدد منهم.
وبعد هذه المقدمة نقول: إن يوسف كان رائع الجمال، وقد جاءَ في حسنه قوله ﷺ في حديث المعراج بصحيح مسلم، "فإِذَا أَنا بِيوسُفَ إذَا هُو قَدْ أعْطِىَ شَطْرَ الحُسْنِ"، فلما رآه وارد الماء ومرافقوه في هذا الجمال عديم المثال ﴿وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً﴾: أَي أخفوه متاعا للتجارة، أَي - أخفوه - عن باقى جماعتهم التى أَرسلتهم لاستقاء الماءِ والمراد أنهم أَخفوا أمره عنهم، فلم يقولوا لهم إنهم أخرجوه من الجب حتى لا يشاركوهم في ثمنه إِذا باعوه لتجار الرقيق بمصر، بل قالوا لهم ما يجعل الأمر فيه لهم، كقولهم: إن أصحاب الماءِ أَعطونا إياه لنبيعه لهم بمصر ونرد لهم الثمن، ونقل القرطبى عن ابن عباس أَنه قال: أَسره إخوة يوسف بضاعة لما استخرج من الجب وذلك أنهم جاءُوا فقالوا: بئسما صنعتم هذا عبد لنا أَبقَ، وقالوا ليوسف بالعبرانية: إما أن تقر لنا بالعبودية فنبيعك من هؤلاء وإما أن نأخذك فنقتلك فقال: أَنا أقِرُّ لكم بالعبودية، فباعوه منهم وقيل غير ذلك - والله أعلم.
﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾:
هذه الجملة وعيد لإِخوة يوسف على ما صنعوه بشأنه من تآمرهم على قتله، ثم إبداله بإلقائه في الجب، وتعريضة للعبودية.