أن يسجن ليمنع شره عن النساء، أَو عذاب شديد الإيلام، حتى لا يعاود مثل هذه الإرادة الرعناء.
بهذه الحيلة أَرادت أن تبعد التهمة عن نفسها وأن تهدد يوسف بمقدرتها على سجنه وتعذيبه طمعا في أَن يستجيب لها اضطرارا بعد أن فقدت الأمل في أن يستجيب لها اختيارا لكن يوسف لم يأبه لتهديدها - كما سيتضح بعد من قوله: ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾ بعد قولها: ﴿وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾ وسيأتي بيان ذلك.
٢٦ - ﴿قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي … ﴾:
أَي قال يوسف للعزيز دفاعا عن نفسه بعد أَن اتهمته زوجته بأنه أراد اغتصابها: قال يوسف لم يحدث مني شيء مما تقوله ولكن الذي حدث أنها هي التي راودتني على أن أنزل لها عن نفسي ولم أوافقها على ما طلبته منى. وبهذا حصل التعارض بين اتهامها ودفاعه، واحتاج الفصل في القضية إلى شاهد، وذلك هو ما قصه الله تعالى بقوله:
اختلف المفسرون في هذا الشاهد، فقيل: إنه طفل في المهد شهد بما فصله الله بعد، وكان من أهل امرأَة العزيز - قال السهيلى - وهو الصحيح - للحديث الوارد فيه عن النبي ﷺ وهو قوله:"لَمْ يَتَكَلَّمْ في الْمَهْدِ إلَّا ثَلَاثَةٌ" وذكر منهم شاهد يوسف.
وقال القشيرى أَبو نصر: قيل كان صبيًّا في المهد في الدار وهو ابن خالتها.
وقيل: هو رجل حكيم ذو عقل كان العزيز يستشيره في أموره، وكان من جملة أهل المرأة، وكان مع زوجها، فقالا: قد سمعت الاستباق والجلبة وراءَ الباب وشق القميص، فلا يُدرَى أيكما قُدَّام صاحبه، فإِن كان شق القميص من قُدَّامِه فأنتِ صادقة، وإِن كان من خلفه فهو صادق، فنظروا إِلى القميص فاذا هو مشقوق هن خلف.