وكلمة ﴿فَذَلِكُنَّ﴾: فيها إِشارة (بذا) إِلى يوسف، وخطاب بحرف (كن) إلى النسوة.
والمعنى: قالت امرأَة العزيز للنسوة اللاتى دعتهن لطعامها بعد أَن فتنهن جمال يوسف: فذلك الذي فتنتن به وقطعتن أَيديكن من أجله وقلتن إنه يشبه في الحسن والجمال الملك الكريم، هو يوسف الذي وجهتن إلىَّ الملام بسببه وقلتن عنى: ﴿امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ﴾: وقد ملأ حبُّه قلبها، ونحن نراها من أَجل ذلك في ضلال واضح، فلم يعد لَكنَّ بعد ذلك الذي حدث منكن بسبب جماله ما يدعوكن لملامى، وإنى أؤكد لكن بصراحة أننى أنا التي طلبته لمضاجعتى فامتنع وبذل أقصى الجهد في الإِباء والتحفظ الشديد - وبعد أن بسطت العذر لهن عما كان منها، هددته بأسلوب الملوك وأهل القهر في جملة من التأكيدات قائلة:
أَي ولئن أصرَّ يُوسُف على إبائه ولم يفعل ما آمره به من المضاجعة، ليوضعن في السجن، وليكونن فيه من الأذلاء.
ومما سبق تعلم أن يوسف ﵇ لم يتجه بشهوته البشرية نحوها، فقد ظل سنين عديدة تحت رعايتها وإكراها وبين يديها، ولم يتجه إليها بنظرة خبيثة ولا بعبارةٍ نابية، وذلك لكمال نفسه وطيب خلقه، وإعداد الله إياه للنبوة التي تنتظره وقد تأكدت هذه العصمة الربانية وتجلت بأَجلى مظاهرها، حين دعته إلى مخالطتها وبذلت له من أَساليب الإغراء ما بذلت، لترفع بذلك عن نفسه الخشية منها وتهيب مقامها وتدفعه إلى الرغبة فيها والاجتراء عليها بعد أن أذلت له أنوثتها، وأنه مع هذا الإغراء والتمكين التام، امتنع وأبى قائلا: ﴿مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾ فاستعاذ بالله ولجأ إليه ليعصمه منها، ويحميه من شباكها، وأَكد هذا الامتناع بأنه لا يخون