تحدثا بنعمة الله عليه، وذلك أَنه قال: لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا أخبرتكما قبل حضوره إليكما بنوعه وأوصافه، فقد كان من عادته ﷺ أَنه قبل حضور الطعام إليهما، يقول لهما: اليوم يأتيكما طعام من صفته كيت وكيت، فيجدانه كذلك بعد حضوره، وأطلق التأويل على ذلك تشبيها له بتأويل الرؤيا، فإنهما يشتركان في الإخبار بالغيب.
ولما آنس منهما الثقة به وحسن الظن فيه، حيث قالا له: ﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ أَراد أن يفهمهما مصدر هذا الإحسان، ومنشأ هذا العلم الذي تجلى به واستحق به صفة الإحسان، فقال مخاطبًا إياهما مشيرًا إِلى ما عنده من العلم.
أي ذلكما الذي عرفته من تأويل الرؤيا والإخبار بالمغيبات، بعض ما علمنيه ربي بالوحي أو الإلهام من العلم، فلست أخبركما به تكهنًا فما أنا بكاهن، وقد علمنى ربي إِياها لأني تركت ملة قوم مشركين لا يؤمنون بالله على الوجه الذي يليق بجلاله، بل يشركون معه غيره، وهم بالآخرة هم كافرون، فلا يؤمنون بالبعث ولا بالنشور ولا بالثواب ولا بالعقاب، والمراد من تركه لملتهم أَنه لم يدخلها أصلا، ولهذا قال في الآية التالية -: "مَا كَانَ لَنَا أن نشرِكَ بِاللهِ مِن شَيء".
أي تركت ملة الوثنيين من قومي، حيث نشأت متبعا ملة آبائى الذين أرسلهم الله لهداية الخلق إِلى ملة التوحيد، وهم إِبراهيم ومن بعده ولده إسحق، ثم حفيده يعقوب والد يوسف ﵈.
أي ما صح ولا استقام لنا معاشر الأنبياء، أن نشرك بالله أي شيء من الكائنات العاقلة وغيرها، فكلها مخلوقة لله وآيات شاهدات بوجود الله ووحدانيته، فلا يصح أن نعبدها مع الله.